“في هذه اللحظات عندما ندخل معتكفنا فإننا نعتبر ذلك محطة توصلنا إلى القدس والمسجد الأقصى المباركين. ندخل هذه المحطة لنقترب منهما لا لنبتعد، لنلتحم أكثر لا لننفصل”. بهذه الكلمات ودع الشيخ رائد صلاح رفاقه أمام سجن “أوهاي كيدر” في النقب، لقضاء تسعة أشهر أقرتها المحكمة الإسرائيلية العليا، في قرار اعتبرته أوساط حقوقية بأنه يندرج ضمن الملاحقات السياسية للقيادات العربية في الداخل الفلسطيني.
وقد توافد مئات المتضامنين في الصباح الباكر إلى خيمة مناهضة حظر الحركة الإسلامية –التي يترأسها الشيخ رائد صلاح وتم حظرها في نوفمبر/تشرين ثان الماضي- في مدينة أم الفحم، وانطلقوا معه في موكب مهيب إلى مدينة بئر السبع لوداعه عند أبواب السجن.
المحامي خالد زبارقة اعتبر قرار سلطات السجون بحبس الشيخ رائد صلاح في سجن بئر السبع –وليس في سجن الرملة كما كان مقررا- بأنه جاء “لوضع الصعاب أمام أي نشاط مستقبلي حول قضية الشيخ رائد صلاح”، عدا عن ما يشكله هذا القرار من عقوبة على أهله وعقبة أمام زيارته دون عناء.
ورغم أنها المرة الخامسة التي يدخل فيها الرجل المعتقلات الإسرائيلية على خلفية نشاطه المتواصل لنصرة القدس والمسجد الأقصى، إلا أن الأمومة أبت إلا أن تفرض نفسها على والدته التي انهمرت دموعها حين حالت أبواب السجن الكهربائية بينهما. “الحمد لله” قالت وهي تكف دموعها، “إن شاء الله سيبقى شوكة في حلقهم مدى الحياة”.
الشيخ كمال خطيب –نائب رئيس الحركة الإسلامية قبل حظرها- قال إن سجن الشيخ صلاح يمثل عقوبة على الموقف الواضح الذي تبنته الحركة الإسلامية. “منذ عشرين عاما قلنا للدنيا إن الأقصى في خطر، ولم تكن صرخة في واد ولا كتابة على رماد، وإنما صرخة وقعت في آذان كل العرب والمسلمين، ما أفشل مخططات الحكومة الإسرائيلية في اغتنام فرصة الوضع الحالي للأمة وبناء الهيكل الزعوم على أنقاض المسجد الأقصى”.
وتجاورت، أكتاف ممثلي التيارات السياسة والحزبية في الداخل الفلسطيني، في “سحجة” فلسطينية قادها الشيخ صلاح أمام باب السجن وهو يهتف “كونوا للأقصى هلال… حتى يزول الاحتلال”، في مشهد توارت خلفه الخلافات السياسية، وحلّ مكانه التوافق على هذا الشخص الذي استطاع أن يجمع حوله شرائح واسعة من الفلسطينيين على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم.
شموخ الشيخ رائد صلاح وإصراره على “جريمته”، أرهق الأطراف السياسية في الجانب الإسرائيلي وأربك حساباتهم حول فاعلية الإجراءات التعسفية لردع أشكال النضال الشعبي ضد السياسات الإسرائيلية العنصرية. فهتاف “بالروح بالدم نفديك يا أقصى” الذي نادى به الشيخ وأصم به آذان من يقفون وراء مشروع تهويد المسجد الأقصى -وعليه يواجه عقوبة السجن اليوم-، كان أخر ما نطق به قبل أن تحول أبواب السجن بينه وبين مودعيه، كما أنه تعهد بأن يكون أول ما يهتف به فور خروجه من “معتكفه” حرا طليقا.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]