سبع وأربعون عامًا مرت على حرق المتطرف الإسرائيلي مايكل روهان المسجد الأقصى، الذي أطفأه المقدسيون وأهالي البلدات المحيطة بإمكانياتهم البسيطة؛ وتحل الذكرى وسط تصاعد في هجمات المستوطنين تجاه المسجد والتي لم تجد حتى اللحظة أحدًا يطفؤها.
ويعمل الاحتلال الإسرائيلي على تهويد المسجد الأقصى عبر حملة تدنيس مستمرة واقتحامات عنصرية غوغائية من الجماعات والأحزاب اليهودية المتطرفة بتزامن مع محاولات تقسيم المسجد زمانيا ومكانيا.
وبموازاة ذلك يواصل الاحتلال حفرياته تحت أساسات المسجد الأقصى التي تبحث عن أوهام ما يسمى بهيكل سليمان، فقد أدى ذلك إلى عدة انهيارات في المباني الأثرية الوقفية الملاصقة للجدار الغربي للمسجد.
و21 من أغسطس عام 1969 تاريخ لن ينساه المسلمون، حيث شب حريق ضخم في الجناح الشرقي للجامع القبلي لتلتهم النيران كامل محتويات المسجد الأقصى.
ولم يؤثر الحريق على سجاد المسجد ومنبر صلاح الدين والخشب المستخدم في بنائه فحسب، بل مسَّ الزخرفة النادرة على جدرانه، كما تضرر البناء بشكل كبير، مما تطلب سنوات لترميمه وإعادة زخارفه كما كانت.
أهم الأجزاء التي حرقت
وأهم الأجزاء التي طالها الحريق داخل مبنى المصلى القبْلي المبارك فكانت منبر "صلاح الدين الأيوبي" الذي يعتبر قطعةً نادرةً مصنوعةً من قطع خشبية، معشَّق بعضها مع بعض دون استعمال مسامير أو براغي أو أية مادة لاصقة.
وطال الحريق مسجد "عمر" الذي كان سقفه من الطين والجسور الخشبية، ومحراب "زكريا" المجاور ومقام الأربعين وثلاثة أروقة من أصل سبعة أروقة ممتدة من الجنوب إلى الشمال مع الأعمدة والأقواس والزخرفة وجزء من السقف الذي سقط على الأرض خلال الحريق.
كما امتد الحريق ليطال عمودين رئيسين مع القوس الحجري الكبير بينهما تحت قبة المسجد، وكذلك القبة الخشبية الداخلية وزخرفتها الجبصية الملونة والمذهبة مع جميع الكتابات والنقوش النباتية والهندسية عليها، والمحراب الرخامي الملون، والجدار الجنوبي وجميع التصفيح الرخامي الملون عليها.
وطال الحريق المدبر أيضا ثمان وأربعين نافذة مصنوعة من الخشب والجبص والزجاج الملون والفريدة بصناعتها وأسلوب الحفر المائل على الجبص لمنع دخول الأشعة المباشر إلى داخل المسجد، وجميع السجّاد العجمي.
كما طال الحريق مطلع سورة الإسراء المصنوع من الفسيفساء المذهبة فوق المحراب، ويمتد بطول ثلاثة وعشرين مترًا إلى الجهة الشرقية، وكذلك الجسور الخشبية المزخرفة الحاملة للقناديل والممتدة بين تيجان الأعمدة.
محاولات لإخماده
ويتحدث شهود عيان عن هبة المواطنين بمدينة القدس والبلدات المحيطة لإطفاء الحريق بما توفر لهم من إمكانات بسيطة، خصوصًا أن وصول سيارات الإطفاء إلى المسجد المبارك تأخر لساعات بعد اشتعال الحريق.
ويقول بعض المقدسيين الذين عايشوا الحريق وشاركوا في إطفائها: إن منفذ الجريمة تسلل صباحًا من "باب حطة" عندما كانت ساحات الأقصى خالية واستمر حتى وصل إلى "باب القبلة" ووصل إلى "منبر صلاح الدين".
ويضيفوا دخلنا الأقصى ووجدناه يحترق والنيران تطال الآيات القرآنية، وحاولنا إطفاءه بمياه بئر كنا نأخذ منها؛ وكنا نناول بعضنا البعض عبر سُلّم حديدي، فكانت المياه تصل بأسرع ما يمكن إلى سطح المسجد، حتى وصلنا إلى منبر صلاح الدين وقد أحرق بالكامل.
ويشير مقدسيون إلى أن الاحتلال قطع المياه عن المنطقة المحيطة بالمسجد إضافة إلى منع سيارات الإطفاء التابعة لبلدية القدس التي يسيطر عليها الاحتلال؛ وقالوا إنها معطله، حتى وصلت إطفائية بلدية الخليل ووجدت صعوبة في الدخول.
ردة الفعل
وكان لذلك الحادث ردة فعل كبيرة في العالم الإسلامي، حيث قامت المظاهرات في كل مكان، ففي اليوم التالي للحريق أدى آلاف المسلمين صلاة الجمعة في الساحة الخارجية للمسجد الأقصى وعمت المظاهرات مدينة القدس المحتلة احتجاجًا على الحريق.
وبعد حرق المسجد الأقصى رفعت سلطات الاحتلال حالة التأهب، متوقعةً ردًا عربيًا يوازي حجم الجريمة التي ارتكبت بحق القبلة الأولى.
لكن بعد مضي 48 ساعة، أدرك الإسرائيليون أن الرد العربي لن يخرج عن حدود الإدانة والاستنكار، وهو ما كان فعلا.
ويقول مفتي القدس السابق الدكتور عكرمة صبري إن الرد العربي والإسلامي كان من خلال انعقاد أول مؤتمر قمة إسلامي في الرباط، نجم عنه بيان استنكار للحريق، والإعلان عن تشكيل منظمة المؤتمر الإسلامي.
ونفذ جريمة الحرق الاسترالي مايكل دينيس روهان، الذي كان أحد اتباع "كنيسة الرب" التي أسسها القس هيربرت آرمسترونغ في ثلاثينيات القرن الماضي في باسادينا بكاليفورنيا.
وبعد ارتكابه جريمة حرق المسجد الأقصى نأت الكنيسة بنفسها عنه وقالت إنه ليس من اتباعها، وهو فقط كان يتلقى المجلة التي تصدرها الكنيسة مثله مثل مئات آلاف المشتركين الآخرين.
وجريمة حرق الأقصى في 21 أغسطس كانت المحاولة الثانية التي نفذها روهان، ففي 11 أغسطس من ذات الشهر حاول إحراق المسجد عن طريق سكب بنزين من فتحة مفتاح أحد أبواب المسجد، لكن الضرر انحصر في الباب فقط؛ فأعاد الكرّة بعد عشرة أيام ونجح فيها.
وسعى الاحتلال–كما تشير الرواية الإسرائيلية-، إلى النأي بنفسه عن حادثة إحراق المسجد الأقصى كي لا يتهم عالميًا بأنه وراء الحادثة، وسارع الى اعتقال روهان وعقدت له محاكمة علنية.
كما استدعى الطبيبة النفسية التي يدعون أنها كانت تعالجه في استراليا، واستدعى أيضًا خبيرًا نفسيًا بريطانيًا، لكي يثبت أن من قام بالعمل مريض نفسي نفذه بشكل منفرد ولا علاقة للاحتلال بذلك.
وتوصلت المحكمة الى أن روهان مريض نفسيًا ويعاني من حالة حادة من انفصام الشخصية، وحين قام بجريمته قام بها دون أدراك، لذلك لا يستحق السجن على جريمته بل يحتاج علاجًا نفسيا، وتم ترحيله إلى أستراليا.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]