يافا: الشيخ علي الدنف من الرملة يخطب الجمعة في مسجد السكسك
تصوير: أمير أطرش
2014-02-21 12:14:00
ألقى الشيخ علي الدنف من مدينة الرملة خطبة الجمعة في مسجد السكسك بمدينة يافا، وكانت الخطبة تحت عنوان "بين ميزان الله وميزان البشر"، وتحدث خلالها الشيخ قائلاً"
إن من الأمور التي ينبغي أن نتفكر فيها جيداً ونمعن النظر، ونأخذ العبر، الفروق بين موازين الله وموازين البشر، ذلك أننا في كثير من الأحيان، نحكم على الأشخاص والأحوال من منظار الدنيا، ونقوّم الناس والمواقف من المناظير الدنيوية التي ننظر إلى هؤلاء الأشخاص والأحوال من خلالها، بينما يكون الأمر عند الله تعالى مختلفاً تمام الاختلاف. ومن هنا كان لابد لنا أن نعدل النظرة، وأن نقوم الميزان، حتى ننظر إلى الأمور من خلال منظار الشرع، لا من خلال منظار الهوى والعادات والتقاليد، وما استحدثه الناس من أنواع الموازين الدنيوية.
وسنتحدث عن بعض الأحوال والمواقف، وأنواع الناس الذين يُنظر إليهم من خلال ميزان الدنيا، ونقارن ذلك بما عند الله تعالى.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلفت نظر الناس إلى هذا الأمر، وأن القضية ليست بجمال الصورة، وإنما هو بالإيمان الذي وقر في القلب، فروى أحمد رحمه الله في الحديث الصحيح عن أنس : " أن رجلاً من أهل البادية كان اسمه زاهراً ، كان يهدي للنبي صلى الله عليه وسلم الهدية من البادية، فيجهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن زاهراً باديتنا، ونحن حاضروه " وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه وكان رجلاً دميماً، قبيح المنظر والخلقة ليس فيه جمال، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يوماً، وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره، فقال الرجل: أرسلني من هذا؟ فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول -ممازحاً لـزاهر-: من يشتري العبد؟! فقال: يا رسول الله! إذاً والله تجدني كاسداً -من يرغب فيّ؟ ومن يطمع في شكلي؟- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكنك عند الله لست بكاسد) أو قال: (لكنك عند الله غالٍ) فتأمل كيف لفت النظر إلى هذا الشيء.
روى الامام البخاري في صحيحه أنه مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ما تقولون في هذا ) . قالوا : حري إن خطب أن ينكح ، وإن شفع أن يشفع ، وإن قال أن يسمع . قال : ثم سكت ، فمر رجل من فقراء المسلمين ، فقال : ( ما تقولون في هذا ) . قالوا : حري إن خطب أن لا ينكح ، وإن شفع أن لا يشفع ، وإن قال أن لا يسمع . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا خير من ملء الأرض مثل هذا".
إن في هذا الحديث من عظيم الفائدة التي يجب أن لا تخفى على أحد . لقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم ان يغيّر المفاهيم ويصلح الأفكار فبين أن ذلك الرجل الذي لا يلتفت إليه ، ولا يسمع لقوله خير من ملء الأرض من ذاك الذي لفت الأنظار فقط.
إن الدمار والفوضى ليعم بالمجتمع الذي لا يعرف لمن يستمع ولمن ينصت ولا يعلم مَن يزوّج ومن يأبى.
وقد قال - صلى الله عليه وسلم-: ((إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ))، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ، قَالَ: ((إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ)) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؛ رواه الترمذي
المراد إن لم تُزَوِّجُوا من تَرْضَون ذلك منه واختلت الموازين ، ونَظَرْتُم إلى ذِي مَالٍ ، أو جَاهٍ ؛ يَبْقَى أكثر النساء بلا زوج ، والرجال بلا زوجة ؛ فيكثر الزنا ، ويلحق العار ، فيقع القتل .. فَتَهِيج الفِتَن ، وتَثُور الْمِحَن " ..
إن الهلاك ليلحق بالمجتمع الذي لا ينزل الناس على قدر منازلهم ولقد قال صلى الله عليه وسلم " إن الله لا ينظر إلى صورك وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم "
هناك من الناس الا من رحم ربي يحكم على الناس غالباً من مناظير دنيوية، يقول: هذا رجل صاحب منصب، هذا رجل غني، هذا رجل قوي، هذا رجل جميل الخلقة، وهو عند الله قد يكون من أحقر الناس، وهو لا يزن عند الله جناح بعوضة وإذا نظر إلى شخص فقير ضعيف لا مكانة له ولا وظيفة، أو كما يقول العامة: لا وجه ولا جاه، ماذا يعتقد فيه؟ وبأي عين ينظر إليه؟ وكيف يعامله، ويستقبله في مجالسه؟ وكيف يسلم عليه، وكيف يكلمه؟ الفقير عند البعض لا أحد يلتفت إليه، ولا يأبه به، ولو طلب طلباً قاطع كلامه، وربما طرده، لماذا؟ لأن النظرة الدنيوية طغت على مجتمعاتنا حتى من الناس من ميّز بين الفقير والغني في الفرح والترح.
النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصاً أن يربي هذا المفهوم في نفوس أصحابه، وقد وعى الصحابة الكرام هذا الميزان وبناء عليه كان تعاملهم مع الناس ان اكرمكم عند الله اتقاكم.
قال صلى الله عليه وسلم قال : "لم يتكلم فى المهد إلا ثلاثة..... كانت امرأة ترضع ابناً لها من بنى إسرائيل، فمرّ بها رجلٌ راكبٌ ذو شَارَةٍ، فقالت : اللهم اجعل ابنى مثله، فترك ثديها وأتى على الراكب فقال: اللهم لا تجعلنى مثله، ثم أقبل على ثديها يمصه ثم مرت بأَمَةٍ يقولون لها : زَنَيْتِ ـ سرقت ـ فقالت: اللهم لا تجعل ابنى مثل هذه، فترك ثديها وقال اللهم اجعلنى مثلها، فقالت : لِمَ ذاك ؟ فقال : الراكب جبار من الجبارة، وهذه الأمة يقولون سَرَقَتْ ـ زَنَتْ ولم تفعل...
تأمل في الحديث كيف أن الله أنطق الرضيع بمعجزة حتى لا تنخدع الأم بالمظاهر , اعترض الرضيع لدعاء امه فأنطقه الله تعالى بمعجزة لنصحح المفاهيم . فتأمل كم من الاباء تمنى أن يكون ولده مثل فلان وفلان في ميزان الله لا يساوي شيء!!
الحكم على الناس من خلال لباسهم أو مأكلهم أو هيئتهم أو عائلتهم هذه آفة تعاني منها المجتمعات اليوم وهي مخالفه لميزان الله سبحانه وتعالى , وهذا المفهوم شاع وتسلل الى عقول الكثير من المسلمين حتى أن منهم من يربي ابنه على هذه القيم أنه أفضل الناس لأنه من عائلة فلان يربيه على أن قيمته فيما يلبسه من بلوزه أو بنطال أو نعال .. يربيه على الكبر والكبرياء ولو من خلال ملبسه.
بعض الاباء يغرسون في عقول أبنائهم أن قيمتهم فيما يلبسون من ملابس , خاصة اذا ما كانت بأسعر باهظة الثمن بنطال يتعدى الاف شيكل !!! وكذلك القميص وغيره!!.
هذا السلوك ينشئ لنا جيل متكبر مترف لا يهتم الا بمظهره قيمة الناس عنده كقيمة ما يلبس والنبي يقول (( إياكم والكبر، فإن الكبر يكون في الرجل وإن عليه العباءة))، علموا اولادكم "وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ".
الاسلام يهتم بمظهر المسلم لأنه شامه بين الناس كما قال النبي ((أصلحوا رحالكم, وحسنوا لباسكم, حتى تكونوا شامة بين الناس)) ولكن ليس الى حد المفاخرة والكبرياء.
التعليقات