الثورة الشعبية التي انطلقت من تونس, وامتدت إلى مصر, ولها امتدادات إلى بلدان أخرى, هذه الثورة التي باعتراف الكثير من الخبراء, والمسؤلين فاجأت استخبارات دول الشرق والغرب, وعلى رأسها استخبارات أمريكيا وإسرائيل, وبالفعل كانت مفاجئه للجميع وبكل المقاييس باستثناء مجموعه من المؤمنين وبعض الحاذقين في السياسة لم يكن الأمر مفاجئاً لهم توقعوه في كل لحظه, الذي فاجئهم هو الحجم والزخم ومشاركة جميع شرائح الشعب في الثورة.
الحاذقين في السياسة من خلال قراءتهم ونظرتهم الثاقبة للخريطة السياسية, تيقنوا من وقوع هذه الثورة في كل لحظه وتحديداً في مصر. ومجموعة المؤمنين كانوا على يقين من انفجار الثورة في كل وقت وحين, وتحديداً أيضا في مصر, ذلك لأنهم مؤمنون بسنن الله في الفساد والمفسدين وفي الطغيان والطغاة أنها لا تتخلف, فإذا زاد الفساد والطغيان فان ذلك مؤذناً إلى الزوال.
فالله عز وجل حدثنا في كتابه عن الطغاة والمفسدين ماذا حلّ بهم فقال: الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبا لمرصاد.
الشعب يريد إسقاط النظام, كلمات دوّت بها الحناجر, بلغت عنان السماء, تحولت هذه الكلمات الأربع, إلى أنشودة وطنيه تطرب لها الآذان, ويخفق لها القلب, لأنها تشق الطريق إلى الحرية, إلى التحرر من الظلم والاستبداد, إلى التحرر من القهر والذل وامتهان الكرامة, من يظن أن هذه الثورة الشعبية انطلقت من اجل رغيف الخبز وتحسين الأوضاع المعيشية للطبقة الفقيرة, فهو مخطئ ومن ظن أن تفشي الفساد في المؤسسات الحكومية, والقمع والاستبداد الذي مارسه النظام هو السبب الوحيد لهذا الحراك الشعبي الضخم, فهو مخطئ أيضا, صحيح أن القمع ومصادرة الحريات وأحكام الطوارئ, ونهب وسرقة ثروات وموارد البلاد, وإفقار الناس وتجويعهم, ومطاردة الأحرار والزج بهم في السجون, وتعذيبهم حتى الموت في بعض الأحيان.
هذه جميعها عوامل كافيه لانتفاضة أي شعب ضد هذه الممارسات الاجراميه. ولكن الثورة في مصر بالإضافة إلى العوامل التي ذكرت, هناك عامل هام لا يجوز إغفاله باعتقادي هو العامل الأساس والرئيس في تفجير ألثوره في مصر. وهو موقف النظام المصري من القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية, تواطيء النظام المصري مع إسرائيل في حربها على غزه عام 2008 , وقبلها في حربها على لبنان عام 2006 ,القتل والدمار الذي أحدثته هذه الحرب وقبلها وبعدها الحصار الجائر الذي يفرضه الاحتلال بمشاركه مصريه على غزه, منع الدواء والغذاء عن مليون ونصف فلسطيني بهدف تركيعهم وإرغامهم على التنازل عن ما تبقى من فلسطين, والاعتراف بإسرائيل, القتل والدمار والحصار يتم بتواطيء النظام المصري أمام سمع ونظر ثمانين مليون من أبناء مصر, أيديهم مكبلة على أيدي النظام وأفواههم مكممة, يسمعون صيحات الأطفال وانين المرضى والجرحى, يقفون خلف السياج العازل ينظرون إلى الظلم بأبشع صوره يشارك فيه مشاركه فعليه نظامهم الفاسد.
هذا العجز وهذا التخاذل أمام هذا الظلم وهذا القهر لشعب اعزل, اشعر ثمانين مليون مصري بفقد الكرامة وبفقد النخوة وضياع المرؤة والرجولة, ثمانين مليون مصري شعروا بالإذلال.
ومن طبائع العربي وصفاته النجدة والنخوة والمروءة وعزة النفس , والرجولة والشجاعة من الصفات التي يعتز بها ويفاخر, هذه الطبائع وهذه الصفات تجعل العربي يرفض الإذلال ويفضل الموت على الحياة المذلة.هذا باعتقادي العامل الأساس الذي فجر ألثوره وبهذا الزخم, ويؤكد ذلك الهتاف الموّحد لكل فئات الشعب المصري, الشعب يريد إسقاط النظام, ورحم الله الشاعر التونسي أبو القاسم ألشابي القائل: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر. وأنا أقول إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب الطغاة.
والله غالب على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون.
سعيد سطل أبو سليمان 16/2/2011
بارك الله فيك جدي الغالي على هذا المقال الرائع. تحرر الشعب المصري من الظلم الذي كان يعيش فيه فخر لكل الامة الاسلامية وكُنا ننتظره بفارغ الصبر من زمان..وارجو من الله تعالى ان يحرر وينصر كل الامة الاسلامية.
بإعتقادي أن ثورة المصريين قامت بسبب الفقر .. أنا اعرف البعض من مصر يتقاضون راتب 300 جنيه شهرية فقط !! كما ان هناك الفوارق الاجتماعية فالشعب المصري نصفين .. منهم من يعيش ب1000 جنيه يومياً، ومنهم من يعيش بجنيه فقط.. في النهاية مشكور شيخنا على المقال .. تحياتي
إذا الشعب يوماً أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر ... كل الشكر للشيخ أبو سليمان على هذه المقالة الرائعة
التعليقات