مسيرات الشباب الفلسطيني والعربي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي سوريا ولبنان نحو الحدود، ومحاولة الدخول داخل مناطق الخط الأخضر، شكَّلت سابقة كبيرة في تاريخ الصراع من اجل إحقاق حق العودة إلى فلسطين. لم يعد الأمر متوقِّفاً على إطلاق الشعارات، أو إقامة المهرجانات، أو كتابة المقالات، بل تميَّز هذا العام بمسيرات لآلاف الشباب، لممارسة حق العودة فعلياَ، وميدانياً.
كانت الأسلاك الشائكة، وحقول الألغام في المناطق الحدودية تشكِّل حاجزاً نفسيَّاً وطبيعياً أمام أية محاولة للتسلل إلى فلسطين التاريخيّة. كما أنَّ الأنظمة العربية المجاورة عملت طوال السنين الماضية كحرس حدود لصالح إسرائيل، تُنكِّل بمواطنيها وتحول بينهم وبين أية محاولة للوصول إلى وطنهم الذي هُجِّروا منه عُنوةً عام 1948. إنَّ الذي حصل في الخامس عشر من أيار الحالي ، من مسيرات نحو الحدود هو بداية طريق نحو العودة، فيه الشعوب تسبق قادتها ولا تنتظر الإشارة من احد، وتحقِّق بتحركها السلمي ما لا تحققه مدافع العرب ولا دباباتهم الصدئة في المخازن، والتي ما رأيناها تُصوَّب إلا ضدَّ مواطنيها العُزَّل. إنه تحدٍّ لكل تلك الحواجز النفسية والطبيعية، تُدخِل جيش الاحتلال وحكومته في إرباك وتضغطه ضغطاً شديداً للبحث عن مخرج لازمة اللاجئين وبقية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، إن إسرائيل تحسب ألف حساب لمسيرات مليونية مستقبلية يمكن أن تتوجَّه إلى داخل فلسطين دون استئذان من احد.
فلسطين رافعة وخافضة للحكام والأنظمة
لا يستطيع احد أن ينكر مكانة ومنزلة فلسطين في قلوب ملايين العرب والمسلمين والأحرار في العالم. وبناءً عليه فانَّ أي قائد أو حاكم يقف إلى جانب القضية الفلسطينية، والشعب الفلسطيني ويدافع عن حقوق الفلسطينيين، ولا يُفرِّط فيها فانه يحظى بالمكانة والقدر الكبير في نفوس أبناء أمته. وبالمقابل ، فان الذي يُفرِّط في فلسطين أو أي جزء منها، أو يتخاذل في نُصرة الشعب الفلسطيني فانه يسقط في عيون الملايين من أبناء الأمة الإسلامية. فصلاح الدين الأيوبي الكردي، والظاهر بيبرس والقائد قطز المملوكيان، والسلطان عبد الحميد الثاني، والطيب اردوغان التركيان كلهم يظهرون بالصورة الايجابية المشرِّفة بسبب نصرتهم لفلسطين والقدس والأقصى. في حين أن حسني مبارك وعمر سليمان وكثيراً جداً من الحُكَّام العرب تقاعسوا عن نصرة فلسطين أرضاً وشعباً، فسَقَطوا من عيون أبناء هذه الأمة، وها هو النظام المصري الانتقالي، ومن خلال مواقف أولية لرئيس الحكومة الجديد عصام شرف يرتفع في عيون الأمة، وترتفع التوقُّعات والآمال المعقودة عليه، ليكون عنصراً في التغيير للأفضل نصرة لفلسطين بأرضها وشعبها ومقدساتها.
استمرارية الوجود الإسرائيلي مرهون بالضعف والفساد لدى العرب
تعيش إسرائيل وسط بحر عربي ومحيط إسلامي، وهي في نفس الوقت متداخلة مع شعب فلسطيني، يعيش في داخلها وبجوارها، ويعرف كل خباياها . وقد عَمِدت إسرائيل منذ قيامها على زرع بذور الفتنة بين الفلسطينيين وبعضهم البعض، وبينهم وبين العرب من حولهم. فقسَّمت الفلسطينيين إلى موالين ومعادين، والى متطرفين ومعتدلين. تفاوض هؤلاء وتحارب هؤلاء. وزرعت عملاءَها وسط جموع الفلسطينيين في كل قرية ومدينة، ومنحت لعملائِها امتيازات حتى يتسابق الآخرون للسلوك في طريقهم. وجنَّدت بعض المرتزقة العرب لجيشها ومخابراتها ليعمل ضدَّ أبناء شعبه. وعزلت مصر لفترة طويلة عن محيطها العربي باتفاقية السلام المنفردة، ثم اتبعتها الأردن لكي تنفرد بلبنان وبالشعب الفلسطيني. وأجلست سوريا على مقاعد المتفرِّجين. كما وحرصت إسرائيل على إبقاء التفوُّق العسكري الإسرائيلي فوق جميع الدول العربية مجتمعة. وأقامت علاقات تجارية ودبلوماسية سريِّة مع بعض الدول من غير دول الطوق. فكان من خلال كل ذلك أن صنعت إسرائيل في الواقع الفلسطيني والعربي من حولها بيئة فاسدة، محطَّمة وضعيفة، تستأسد فيها إسرائيل ولا تشعر بأي خطر على مستقبلها. ولذلك فان العرب والفلسطينيين يستطيعون تحجيم إسرائيل وردعها حتى بدون إطلاق رصاصة واحدة، وذلك من خلال إصلاح ما أفسدت في صفهم، ومن خلال تطهير بنيتهم الاجتماعية والسياسية من الفساد الذي تصطاد فيه إسرائيل.
واعني بذلك عدة نقاط عينية يجب العمل على تنفيذها:
1- إنهاء الانقسامات ونبذ الاقتتال الداخلي، وتحقيق وحدة الهدف والمصير، واجتماع الكلمة على المستوى الفلسطيني والعربي.
2- تطهير الصف الفلسطيني من العملاء والخونة والمرتزقة الذين باعوا دينهم ووطنهم، وخدموا عدوهم ومكنوا له في أرضهم وديارهم.
3- القضاء على الفساد والظلم والمحسوبيات داخل الوطن العربي. من خلال حركات الإصلاح والثورات الشعبية،التي ترمي إلى إنهاء الاستبداد، وإحلال الديمقراطية، وإيصال الرجل المناسب للمكان المناسب.
4- إيجاد البيئة السياسية والاجتماعية الكفيلة باستقطاب العقول العربية المهاجرة. وهذه من شأنها دفع عجلة التنمية والتصنيع وتقوية أواصر المجتمع اقتصادياً واجتماعياً.
5- توحيد الدول العربية والإسلامية في منظومة دولية جامعة وقوية تشكل سدّاً منيعاّ أمام الاختراق الإسرائيلي والأجنبي.
وعندما تتعافى الأمة تحت هذه الأفكار والعناصر فانَّ إسرائيل ومن ورائها أمريكا والغرب سيضطرون للتعاطي بشكل مختلف مع الشعب الفلسطيني، ومع العرب والمسلمين. انه تماماً كالمستنقع الآسن الذي تعيش فيه البكتيريا والجراثيم العفنة. ونحن لسنا مطالبين باصطياد هذه الجراثيم بل مطالبين بتجفيف المستنقع. انه مستنقع الفساد والضعف والتبعية التي لطَّختنا بها الأنظمة العربية، ولا زوال لهذا الضعف والفساد إلا بزوال سببها الرئيسي ألا وهو هذا النظام العربي البائس.
التعليقات