عب أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لم يدع قول الزور والعمل به, فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه, رواه البخاري, وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه, وفي أحاديث أخرى كثيرة ورد أن الكذب والغيبة يفسدان الصيام.
لماذا الكذب والغيبة يفسدان الصيام؟ ما دخل الكذب والغيبة في عملية الصيام التي هي إمساك عن الطعام والشراب والجماع من طلوع الفجر حتى غروب الشمس, والمعروف من الناحية الشرعية أن الذي يفسد الصيام هو إدخال شيء إلى الجوف من طعام أو شراب أو غيره, والجماع والاستمناء والتقيؤ عمدا, هذه هي الأمور التي تفسد الصيام من الناحية الشرعية, ما دخل الكذب والغيبة في عملية الصيام؟
ينبغي على كل مسلم ومسلمه أن يعلم, أن التكاليف التعبدية في الإسلام الصلاة, والزكاة, والصيام, والحج, هي تكاليف تربوية بالدرجة الأولى, فتزكية النفس هي من ابرز مقاصد الشريعة الاسلاميه, يقول ربنا عز وجل: نفسٌ وما سواها فألهمها فجورها وتقواها, قد افلح من زكاها, وقد خاب من دساها, والتزكية هي التربية, ففي تكليف الصلاة يقول الله تعالى: وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر, العنكبوت 45 , وفي الحديث النبوي من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له, وفي تكليف عبادة الزكاة يقول الله تعالى: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم, الصدقة بمعنى الزكاة, إخراجها عمليه تربويه, تربي النفس على الكرم والجود والعطاء, وتطهرها من الحرص والبخل والشُح, وفي الصيام علّل الله تعالى التكليف بالتقوى فقال : يا أيها الذين امنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون, والتقوى عملية تربويه تعتني بسلوك الإنسان ومحلها القلب, لذلك جاء في الحديث القدسي الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل: كل عمل ابن ادم له إلا الصوم فانه لي وأنا اجزي به, والصوم جُنّه فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فان سابه احدٌ أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم, رواه البخاري ومسلم, وفي عبادة الحج قال تعالى: الحج اشهرٌ معلومات فمن فرض فيهنّ الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج, وفي الحديث الذي رواه جابر ابن عبد الله رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه, رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي, كما ترون الآيات والأحاديث النبوية تبين لنا أن علّة التكاليف التعبدية هي تربويه بالدرجة الأولى, فالله تعالى غني عنا وعن عباداتنا, يقول الإمام الشافعي رحمه الله : إن العبادات معللة بمصالح الخلق, فعبادة الصيام عبادة تربويه فيها مصلحتنا وسعادتنا في الدنيا قبل الاخره, لنتصوّر لو حققنا جانبا واحدا من جوانب التربية وهي إمساك اللسان طوال شهر رمضان عن الكذب, وعن الغيبة, وعن البذاءة وفحش الكلام , وعن الصخب, ماذا يحصل, ستزول الاضغان, والأحقاد من النفوس, وهذه هي التي تفسد المودة والصفاء والإخوة والصداقة بين الأفراد والجماعات, إذا سلم القلب من الضغائن والأحقاد, حل محلها المودة والرحمة والألفة والتسامح والتعاون, وهذه جميعها عوامل سعادة وراحة وطمئنينه واستقرار في المجتمع بين أفراده.
فيا أيها الإخوة والأخوات, الصيام بمثابة دورة تربوية تمتد شهرا كاملا كل عام, فمن أراد أن يشارك في هذه الدورة فليعلن ذلك من اليوم, وكلنا بحاجة إلى تربيه, إلى تهذيب النفس وتزكيتها, ولا يقولن احدٌ أنا لست بحاجة إلى تربيه, فهذا القول من المهلكات إعجاب المرء بنفسه, لتكن بداية التربية العزم على تعظيم شهر رمضان, بان نجتنب المعاصي ما ظهر منها وما بطن, وان نمسك ألسنتنا عن الكذب والغيبة والخوض في أعراض الناس, فإمساك اللسان ملاك التربية كلها, اسأل الله تعالى لي ولكم السداد في القول والعمل, وان يعينني وإياكم على الصيام والقيام وغض البصر وحفظ اللسان.
سعيد سطل أبو سليمان
التعليقات