شهر رمضان شهرٌ مميّز, ميّزه الله تعالى عن باقي الشهور بميزات عدّه, ابرز هذه الميزات إنزال القرآن فيه, قال تعالى: شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس... وخصه الله تعالى من بين الشهور بالتسمية, فقال شهر رمضان, ذكر الله الشهور جملة في القرآن, وخص بالذكر منها الأربعة الحُرُم, قال تعالى: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض, منها أربعة حُرُم, هكذا أربعة حُرُم دون ذكر أسمائها على حرمتها وجلال قدرها, استثنى من الأشهر ألاثني عشر, شهر رمضان.
ومن ميزات شهر رمضان أن جعل الله أيامه فريضة, وركنا من أركان الإسلام, وخص لياليه بالقيام تطوّعا, وخصّه الله تعالى بليلة, العبادة فيها تعدل عبادة العمر كله, إنها ليلة القدر, وهي كما اخبر القرآن خيرٌ من ألف شهر, ومن خصائص شهر رمضان مضاعفة الأجر والثواب فيه لمن تقرّب بخصلة من الخير, وهناك ميزات وخصائص خص الله بها شهر رمضان لو علمتها الأمة لتمنت أن السنة كلها رمضان, ولعل الحديث الذي رواه ابن خزيمه والبيهقي وابن حبان, عن سلمان الفارسي رضي الله عنه, تضمن بعضاً من الميزات التي خُص بها هذا الشهر المبارك, وفيوضات الاهية وأعطيات ربانيه, يدعونا للتنافس في فعل الخيرات فيه,
يقول سلمان رضي الله عنه, خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخر يوم من شعبان قال: يا أيها الناس قد أظلكم شهرٌ عظيم مبارك, فيه ليلة خير من ألف شهر, شهرٌ جعل الله صيامه فريضة, وقيام ليله تطوعا, ليكون المسلم موصولا بربه في أيام رمضان ولياليه, صيامه فريضة وقيام ليله تطوعا,ثم استطرد قائلا,من تقرّب فيه بخصلة من خير كان كمن أدى فريضة فيما سواه, ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه, انظروا إلى الفيض الإلهي من تقرّب بخصلة, والخصلة كنايه عن العمل القليل, الخصلة أي القطعة أو الجزء, من تقرّب أي إلى الله ولو بشيء يسير, كما جاء في الحديث, اتق النار ولو بشق تمره, بجزء من التمرة, فليست العبرة بكثرة العمل, وإنما بنوع العمل وإتقان العمل, والتقرّب إلى الله لا يكون إلا بالإعمال التي يحبها الله, كما جاء في الحديث القدسي: ولا يزال عبدي يتقرّب إلي بالنوافل حتى أحبه, والنوافل التي يتقرّب بها المسلم إلى الله هي من نوع الفرائض, والقرآن بين لنا العديد من الأمور التي يحبها الله لكي نتقرّب بها إليه, يقول سبحانه: إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين, فتقرّب أيها المسلم إلى الله في هذا الشهر المبارك بالتوبة, وتقرّب إليه بالطهور, بطهارة البدن, وطهارة القلب, ويقول تعالى: إن الله يحب المحسنين, فتقرّب إلى الله بالإحسان, اجتهد أن تكون محسناً في هذا الشهر في أعمالك كلها, ومعنى الإحسان إتقان العمل, جاء في الحديث الشريف, إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملا أن يتقنه,بإتقانك للعمل تتقرّب إلى الله,
ويقول تعالى: بلى من أوفى بعهده واتقى, فان الله يحب المتقين,
تعالوا نحاول أن نحقق التقوى في هذا الشهر المبارك, التي هي الغاية من الصيام, كما بين ذلك القرآن بقوله تعالى: يا أيها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون, وبالمقابل نجتنب كل ما لا يحبه الله مما ورد في القرآن وفي السنة, فالله تعالى لا يحب من كان مختالا فخورا, والله تعالى لا يحب من كان خواناً أثيما, والله تعالى لا يحب الجهر بالسوء من القول, والله تعالى لا يحب الفساد ولا المفسدين, والله تعالى لا يحب المعتدين, باجتناب هذه الأمور المذمومة التي لا يحبها الله, نتقرّب إلى الله, ما علينا إلا أن نعزم وان نشمّر وان نتوكل على الله,فمن أراد رمضان للعقيدة فهو شهر القرآن, ومن أراد رمضان للعبادة فهو شهر الصيام والقيام, ومن أراد رمضان للتوبة والغفران, فهو شهر التوبة والمغفرة, ومن أراد رمضان للنجاة من النار, فهو شهر العتق من النار,
كما جاء في الحديث الشريف, هو شهرٌ أوله رحمه وأوسطه مغفرة وأخره عتقٌ من النار, اللهم اغفر لنا وارحمنا واعتق رقابنا من النار,
سعيد سطل أبو سليمان
9 رمضان 1432
بارك الله فيك يا شيخنا العظيم لطلما اثريتنا بالمعلومات الدنية وفقك الله وسدد خطاك
التعليقات