يوم الاثنين 23/7/2018 سقطت صخرة بزنة نصف طن تقريبًا من بين حجارة حائط البراق، الحائط الغربي للمسجد الأقصى المبارك، حيث يزعم اليهود أن هذا الحائط هو من آثار هيكلهم الثاني الذي تؤكد كل الروايات التاريخية أن القائد الروماني تيطس وفي العام 70 للميلاد كان قد هدم الهيكل ونقضه حجرًا حجرًا. وفي العام 135 للميلاد جاء القائد الروماني “هدريانوس” وقام بحرث مكان الهيكل بالمحاريث مقتلعًا ما بقي من حجارته وأخذها إلى أماكن أخرى، في دلالة أن هيكلهم الثاني لم يبق منه حجر على حجر ولا أثر، فكيف بقي هذا الحائط العظيم؟.
لسنا في معرض الخوض في تفاصيل أن الهيكل لم يكن في هذا المكان أبدًا، ولكن ولأن للاحتلال الهيمنة العسكرية والسياسية فإنه يحاول فرض روايته من أن هذا الحائط هو من آثار هيكلهم.
كان لافتًا الاهتمام غير العادي من الجهات الرسمية الإسرائيلية بسقوط الصخرة وسرعة توافد كبار الحاخامات اليهود إلى المكان، وفي مقدمتهم “دافيد لاو” الحاخام الأكبر لإسرائيل. فبين قائل بإعادة الصخرة إلى مكانها، وبين قائل بدفنها في قبر خاص بها وحتى يتم الحسم في ذلك فقد تم نقلها إلى مؤسسة ميراث الهيكل.
لكن ما كان لافتًا أكثر فإنه النقاش حول كيفية محاولة استغلال سقوط الصخرة من حائط البراق لتنفيذ أجندات دينية للبعض، وسياسية للبعض الآخر. ففي حين رأى بعض الحاخامات أنها عقوبة ورسالة نذير من الله لليهود أن هذا بسبب انحرافهم عن الدين وخاصة وجود جموع الشاذين جنسيًا في مجتمعهم، ورأى البعض الآخر أن سقوط الصخرة هو نذير شؤم من أنهم بين يدي تهجير وتشريد وجلاء جديد لبني إسرائيل اليهود كما حصل بعد خراب الهيكل الأول، حيث نفوا وهجروا إلى بلاد بابل، وكما حصل بعد تخريب وهدم الهيكل الثاني وقد شردهم الرومان ومنعوا عودتهم إلى القدس أبدًا.
لكن الأهم والأخطر بين وجهات النظر التي تم تداولها ونقلها الإعلام العبري وأسهب في الحديث عنها هي ضرورة استغلال سقوط الصخرة من حائط البراق، للتقدم بخطوات جريئة وجدية لإعادة بناء الهيكل في المكان الذي يقوم عليه مسجد قبة الصخرة المشرفة، حيث اعتبر هؤلاء أن سقوط الصخرة هي إشارة ورمز من الله لهم بالبدء بتفكيك حجارة حائط البراق والبدء ببناء الهيكل الثالث هناك في الأعلى حيث كان مبنيًا قبل خرابه المقصود مكان مسجد قبة الصخرة، كما قال الحاخام “شمشون ألبويم” رئيس اتحاد منظمات بناء الهيكل: “نعم إنها إشارة البدء من الله تعالى علينا أن ندخل هناك، نبني هيكلًا نصلي فيه ولا نظل نصلي إلى حائط”.
ليست هي المرة الأولى التي تتم فيها سرقة حجارة من حجارة أسوار المسجد الأقصى المبارك، فكلنا يعلم أن الحجارة التي سقطت من طريق باب المغاربة المتصلة مباشرة بحائط البراق في العام 2007 قد تم سرقتها ونقلها إلى أماكن لا نعلمها، لكنه السؤال الذي يبقى بحاجة إلى جواب عن أسباب سقوط هذه الصخرة وهي التي كانت جزءًا ملتصقًا من بين صخور حائط البراق حولها، والتي تزن بعضها مئات الأطنان كما ورد في تقرير صحيفة يديعوت أحرونوت يوم الجمعة الاخير 27/7/2018 والذي كان بعنوان “נפל דבר – سقط شيء ما”، فكيف لصخرة تزن نصف طن أن تنسلخ من حائط فيه من فوقها ومن تحتها ومن حولها صخور تزن مئات الأطنان. إنه اليقين وإنه لا مجال للشك أن هذه الصخرة قد أسقطت بفعل فاعل، وأنها اختيرت بعناية لصغر حجمها، وأنه تم العبث بها بشكل مهني إما من خارج الحائط حيث مكان سيطرتهم، والأخطر أن يكون ذلك من الداخل حيث الأنفاق التي حفروها وحيث أحدها كما نعلم جميعًا يمتد من الجنوب إلى الشمال بمحاذاة حائط البراق.
إنه لا يمكن أبدًا التصديق بنظرية الصدفة حيث استحالة تحقق ذلك فيزيائيًا، إنه العمد والقصد الذي لا ريب فيه لخلق هذا الواقع الذي نشأ بعد سقوط بل إسقاط هذه الصخرة، وخلق هذا الحوار الذي يجعل مسألة البدء ببناء الهيكل مسألة مسلم فيها وأنها حتمية.
وكيف لنا أن نصدق منطق الصدفة ونحن نعلم أن اليوم الذي سقطت فيه الصخرة من حائط البراق كان يوم الاثنين 23/7، ويوم الأحد الذي سبقه 22/7 كان وفق التقويم العبري هو يوم التاسع من آب، يوم ذكرى خراب الهيكل الثاني. إنه أقل من أثنى عشر ساعة ما بين غروب يوم الأحد الحزين الذي دنس المسجد الأقصى فيه أكثر من ألف مستوطن، وما بين الساعة الخامسة وست وأربعين دقيقة من فجر الإثنين حيث سقطت الصخرة، وكان ذلك بالبث المباشر حيث كاميراتهم المنصوبة في الساحات وقد وثقت ذلك.
نعم لقد اصطنعوا سقوط الصخرة من حائط البراق وفي هذا التوقيت بالذات، وفي هذه الأيام التي يكثر فيها الحديث عن زلزال مرتقب في المنطقة والذي ستكون نتائجه كارثية على المسجد الاقصى المبارك جرّاء الأنفاق وأعمال الحفر الرهيبة والتفريغ الإجرامي الذي حصل للأتربة والصخور التي تحيط وتحمل أساسات وأعمدة المسجد الأقصى المبارك، حيث ستكون نتائج أي زلزال أو هزة أرضية وخيمة بهدم المسجد الأقصى، وعند ذلك يقال أن هذا حصل بفعل الطبيعة وليس بفعل فاعل، وهذا ما حصل تمامًا في العام 2007 يوم سقط وانهار طريق باب المغاربة الذي بني قبل ثمانية قرون وكان قويًا ومتماسكًا، ولكن أعمال الحفر والتفريغ والأنفاق حوله وتحته سهّلت سقوطه في شتاء العام 2007 بعد العاصفة الثلجية الشهيرة وتراكم أطنان الثلج عليه، وعندها قالوا أن انهيار الطريق كان بفعل الطبيعة متجاهلين ما فعلوا تحت الطريق من إضعاف أساساته وأركانه، ووفق هذا المنطق فإنهم يتعاملون مع المسجد الأقصى المبارك.
نعم لم يكن صدفة أبدًا أن يذكر أحد الحاخامات والمدعو “يهوشع إيلنبرغ” ضمن التقرير الذي كتبه الصحفي “عوديد شالوم” في ملحق صحيفة يديعوت أحرونوت يوم الجمعة 27/7/2018 لمّا قال: “لم يحدث من خمسين سنة حتى الآن ولا قبلها أن سقطت صخور من الحائط إلا ما كان في الهزة الأرضية التي وقعت في العام 1927”.
إنها الهزة الأرضية وإنها الطبيعة، بانتظار أن تأخذ دورها ليعلقوا هم عليها بشاعة جريمتهم بعد إذ قوضوا أركان المسجد الأقصى المبارك بأعمال الحفر والأنفاق، واستعمال الأحماض الكيماوية.
إن ألسنتهم تتحدث عن صخرة سقطت من حائط البراق، فاجتمع حولها كبار الحاخامات ورئيس بلديه القدس، وأعضاء في كنيست اسرائيل ووزراء في حكومته، وتحدث كل منهم بما يجب فعله بتلك الصخرة، لكن إذا كانت ألسنتهم تتحدث عن صخرة فإن عيونهم كلها تنظر إلى الصخرة، أي مسجد قبة الصخرة المشرفة الذي يزعمون كذبًا وزورًا أنه قد بني فوق آثار هيكلهم المزعوم، وأن تحته ما تزال آثار ما يسمونه قدس الأقداس.
نعم لقد تحدثوا مرارًا عن عروض التقسيم المكاني بعد التقسيم الزماني الذي فرضوه بالقوة باقتحام وتدنيس المسجد الأقصى وساحاته مرتين كل يوم، مرة في الصباح ومرة بعد الظهر. إنه التقسيم المكاني الذي قالوا فيه بأن يكون المسجد القبلي المسلمين وأن يكون مكان قبة الصخرة لليهود، يبنون عليه هيكلهم. إنها قبة الصخرة محط أنظارهم الشريرة ومخططاتهم السوداء.
نعم لقد تفاوتت تفسيراتهم لدلالات سقوط الصخرة من حائط البراق، لكنني أقول وبعالي الصوت أن أعقلهم وأكيَسهم ذاك الذي قال إن سقوط الصخرة هو نذير شؤم وأنه مقدمة لجلاء وتهجير جديد لبني إسرائيل!!!.
نعم إنه إذا كان مجانينهم يظنون أن سقوط صخرة هو فرصة لهدم قبة الصخرة وبناء هيكلهم المزعوم على أنقاض المسجد، فإن ذلك فعلًا وحقًا سيكون سببًا في نكبة وكارثة جديدة عليهم، لا لشيء إلا لأن ذلك سيشعل الحرب الدينية الكونية التي لا قِبَلَ لهم بها، وإذا كانوا يظنون أن هذا الحجر الذي وقع سيكون هو حجر الأساس لبناء الهيكل الثالث، فإنني أجزم أنه الحجر الذي ألقاه مجنون في البئر ولن يستطيع كل عقلائهم أن يخرجوه.
# من أمن العقاب أساء الأدب
إنها العبارة التي تقال للإشارة والدلالة إلى النتيجة الحتمية إلى ذلك السلوك الشرير والإنفلات الوقح الذي يمارسه كل من يعتدي على الآخرين، يستبيح حرماتهم ويغتصب أموالهم ويقع في ظلمهم، لأنه لم يجد من يوقفه عند حده ولم يوقف ظلمه، ولم يعاقبه على تلك الأفعال، فإن النتيجة الحتمية أن ذلك الشخص سيزداد طغيانًا وقلة أدب أكثر مما كان عليه.
وإن هذه العبارة تنطبق اليوم على سلوك المؤسسة الإسرائيلية وحكومتها التي تمارس شتى صنوف القهر والظلم والعربدة والزعرنة والاستقواء على شعبنا الفلسطيني. فمن حصار غزة وتجويع أهلها وقتل أبنائها، إلى انتهاك حرمة المسجد الأقصى وتدنيسه واستباحته كل يوم، وما حصل عقب صلاة الجمعة الأخيرة والتهديد بهدمه وبناء هيكلهم المزعوم على أنقاضه، مرورًا بتشريع قانون يهودية الدولة بكل تداعياته، وهدم بيوت أهلنا في الداخل عمومًا وفي النقب خصوصًا، وسبق ذلك حظر الحركة الإسلامية، واستمرار ملاحقة أبناء المشروع الإسلامي وفي مقدمتهم الشيخ رائد صلاح، وغير ذلك من مظاهر البلطجة والغطرسة وقلة الأدب التي تمارسها هذه الحكومة ووزراؤها.
إن قلة وسوء الأدب هذا ما هو إلّا نتيجة طبيعية لمن أمن العقاب، وكيف لا يكون ذلك والمؤسسة الإسرائيلية تعيش نشوة علوّها الكبير عبر حالة النفاق الدولية في التعامل مع سياساتها العنصرية وعبر حالة التهافت العربية غير المسبوقة في التواصل معها سرًا وجهرًا، وإقامة العلاقات على كافة أشكالها وعبر التنسيق الأمني الذي تقيمه وبقوة مع أجهزة أمن سلطة أبو مازن في رام الله، وبسببه فإنها استطاعت أن تحيّد أهلنا في الضفة الغربية من أن ينتصروا لغزة ولا حتى للقدس الشريف رغم كل ما يحصل في غزة والقدس.
نعم إن من مشاهد أمن العقاب الشاخصة أننا وفي سنوات خلت كنا نعيب على أنظمة عربية كثرة بيانات شجبها واستنكارها إزاء الوقاحة والاعتداءات وقلة الأدب الإسرائيلية حيث لم تكن تتقن هذه الأنظمة سوى الشجب والاستنكار والتنديد.
لقد وصل الحال إلى درجة أن ألسنتهم قد انخرست، وأن أقلامهم المشبوهة قد جفّت فبخلت حتى في بيانات شجب واستنكار جافة وميتة، بها ترد على سوء أدب المؤسسة الإسرائيلية. لقد أصبحنا نتمنى أن لو حتى بيان شجب فإننا أصبحنا نعتبره إنجازًا من أولئك.
إنها المؤسسة الإسرائيلية تعيش فعلًا وحقًا حالة العلوّ الإسرائيلي الكبير الذي هو من مظاهر قلة الأدب وذلك بعد أن أمنت العقاب، ولكنهم وبجهلهم وغبائهم وقراءتهم الحمقاء للتاريخ فإنهم لا يعلمون أنهم بانتظار وبين يدي من سيحسن تعليمهم الأدب إلى الأبد {فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرًا}.
وإن غدًا لناظره قريب.
رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون
التعليقات