الخميس ، 3 جمادى الآخر ، 1446 - 05 ديسمبر 2024
|
|
YAFA
sms-tracking ارسل خبر

الكورونا - إمتحان للوحدة الفلسطينية من أجل أمهاتنا وآبائنا .. بقلم: زهية قندس

يافا 48 2020-04-18 16:07:00
 
منذ قرنين تقريباً يشكوا المفكرون في المشرق العربي من فجوة بين تاريخ العادات والمشارب المحلية وبين ما تبدو عليه المجتمعات المشرقية على أرض الواقع. على الأخص أخذ يحذر العلماء والمفكرون المسلمون ويعلو صوتهم حيال تواجد مساحات متباعدة بين الإسلام كمنظومة أخلاقية وبين أخلاق المسلمين. بكلمات أخرى، تكشف الشكاوى عن خوف حقيقي لما قد يحول إليه قلب وجوهر المجتمعات وهو الأخلاق. 
 
لا يخفى على الجميع أن هذه المخاوف غير وهمية، وأنها أتت متزامنة مع حملة إستعمارية اوروبية شرسة أخذت تلتهم جغرافيات عاشت تحت حكم الإمبراطورية العثمانية. فمنذ أوائل القرن التاسع عشر، وعلى الأخص منذ المنتصف الثاني منه، أخذت تتسابق الدول الأوروبية فيما بينها، على الأخص فرنسا وبريطانيا، وتحشد سفنها والتي حملت عليها جيوشها وعلمائها ومفكريها للسيطرة على الدول المشرقية. وهكذا، كما يعرف الجميع، تساقطت دول مركزية كمصر ودول الشام كتساقط الدومينو الواحدة تلو الأخرى، وأعلن عن تفكيك الدولة العثمانية وانتهاء حكمها. ما زالت هناك العديد العديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام التي يجب أن تطرح لفهم ماذا حصل في تلك الحقبة من تاريخنا الحديث، وهي الفترة التي سبقت النكبة الفلسطينية وربما أيضا مما هيئّ لها – ولكن هذا موضوع آخر غير موضوع الحديث هنا. 
 
ما يهمنا في وضع الأمور في سياقها التاريخي هو من أجل العودة للحديث عن مسألة الأخلاق وهي ليست بجديدة علينا. لا أعتقد من أن هناك قارئ أو قارئة لكلامي هنا لا تتفق ولا يتفق معي على أن الأخلاق هي الأسس التي تبنى عليها الحضارات وتعتمد عليها المجتمعات في بقائها وتقدمها كمجموع بشري. وعلى هذا الصعيد المبدئي نفتخر نحن الشرقيون - رغم ضعفنا السياسي والإقتصادي -  على أننا أرقى من غيرنا، حتى أرقى من هؤلاء الذين يحكمونا. وبماذا نحن أرقى منهم؟ 
 
نحن كذلك - هكذا نقول لأنفسنا ونعيد ونكرر - لأننا ننتمي منذ عصور عتيقة إلى مجتمعات تعتمد على فضائل وقيم إجتماعية عليا مثل، العدل، والسخاء والمحبة والعفة والحياء. هذه القيم العربية المجيدة هي التي تجعل مجتمعنا متماسكاً، هذا ما نقول - بحيث نشد بعضنا بعضا، لا نقل أفاً لآبائنا وأمهاتنا، نزّكي للضعفاء ونكرم عابر السبيل، ولا ينام فينا أحد جائع أو عطشان أو صاحب حاجة. نحن باختصار أفضل المجتمعات التي عرفها التاريخ. ولكن هل فعلاً نحن كذلك؟ هل فعلاً نعتمد على الحياء في علاقاتنا الإجتماعية؟ هل نحن أسخياء ومحبين مع جيراننا؟ مع الضعفاء؟ مع المرضى؟.
 
لنطل عبر شرفاتنا ونستقرأ سريعاً حال المجتمع، ولنجد دلائل قاطعة على أننا مجتمعاً صالحاً. فلا حُجة لنا بدون براهن قاطعة لا شك فيها. إن قضية صلاح المجتمعات، والتي تعتمد على أرضية أخلاقية كما ذكرنا، تمتحن في فترات محن وأزمات. وبلا شك فنحن نعيش في زمن غريب عجيب كأنه حلم أو قصة مقتبسة من ليالي شهرزاد. ولكننا وللأسف نعيش أزمة حقيقة تهدد العالم بأكمله بما في ذلك مجتمعنا الفلسطيني. نحن في خضم حملة قوية يشنها علينا فيروس لا نراه بأعيننا ولكنه يفتك فينا جميعاً. 
 
من ناحية، فإن الفيروس ليس عنصرياً مثلنا، فهو على هشاشته أثبت أنه أفضل منا، لا يفرق بين مسلم ومسيحي، ولا يافاوي وغزاوي، ولا يميز بين أصحاب الأموال والطبقات المدللة وعامة الناس، ولا بين الأبيض والأسود والقمحي، ويحترم الفروقات الجندرية. ولكن ومن ناحية أخرى، فالفيروس يختص بتهديده فئات أكثر من آخرى. الفئة الأولى، هي الجيل الذي نفتخر به ونحبه أكثر من أنفسننا، أمهاتنا وآبائنا وما تبقى لنا من أجداد وجدات، وهم قلائل. جيل الكبار في السن والذين أغلبهم يعانون من أمراض مزمنة في القلب وأجهزة التنفس تجعل مقاومتهم للمرض تكاد تكون مستحيلة. فماذا نفعل حيال منع انتقال الفيروس لهم وحمايتهم والعديد ما زالوا لا يقومون بأقل ما يجب لمنع تفشي الوباء؟ هذا التعامي لدى البعض يهدد حياة جيل كامل ويضعهم في خطر حقيقي وعليه فهو يهدد حياتنا ككل. ولا حياة لجيل الشباب دون هذا الجيل. 
 
الفئة الأخرى، والتي تعاني أكثر من غيرها هي الطبقة الفقيرة والتي انضم إليها مؤخراً آلاف العاطلين عن العمل. فلنؤجل الحديث عن ثورة اجتماعية شاملة – وهي ما نحتاج إليه بلا شك – فلا مجال الآن للحديث الفلسفي عن حاجة الإنسان للعدل والحرية والسعادة وتحقيق الذات، ولا وقت للخوض في طوق الأمم الشرعي في سيادة ذاتها. دعونا من الثورات والحقوق لكي نُعنى الآن فقط في الأساسيات – البقاء على قيد الحياة. فهل نظرنا حولنا لنرى من من جيراننا ينام هنيئاً ملباة حاجاته الأساسية؟ وهل فينا مجموعات تعمل لتقصي ذلك؟ 
 
هذا الفيروس هو امتحان لنا كأفراد وكمجموع يفخر بكونه صاحب أخلاق راقية، فمن أجل التاريخ ومن أجل الغد تعالوا نحافظ على ما تبقى لنا.
 
زهية قندس.
comment

التعليقات

17 تعليقات
إضافة تعليق

من اللد والرمله

2020-04-19 00:13:20

كلام قيم جدا من شخصيه مثقفه راقيه وطيبه

إضافة رد

تسنيم

2020-04-18 22:38:35

كلام مميّز من إنسانة مميّزة نفتخر فيكي دائماً!

إضافة رد

زينب اغباريه

2020-04-18 22:37:48

كل الاحترام يا غاليه احلى كلام...رافعه راسنا دائماً.

إضافة رد
load تحميل
comment

تعليقات Facebook