بقلم الشيخ كمال خطيب
اعتاد الضعفاء من الناس أن ينظروا نظرة الإكبار والإعجاب والتقدير لكل ما هو غريب ووافد، ولو أن هذا الغريب الوافد قورن حقيقة بمثيله المحلي والمألوف لكان الأخير أجود منه وأفضل، بل لتقدم عليه مرات ومرات، ولعل هذا ينطبق على الصناعات وموديلات الألبسة وأنواع الطعام والشراب، فكل ما هو صناعة أجنبية فقد بات من المسلّم به مع الأسف أنه الأفضل والأجود والأشهى والألذ.
ولعل هذا يبقى محتملًا ومعقولًا إذا لم يتعداه إلى الفكر والأخلاق والاعتقاد، ولكن مع الأسف فحتى هذا فإنه قد بات يترنح أمام المستورد والدخيل. فلقد أعجبنا إلى حد الإنبهار بسلوكيات وأخلاق المعسكر الغربي ولو كانت هابطة، وبأفكار وأيدولوجيات المعسكر الشرقي ولو كانت تافهة وفاشلة.
لطالما قلنا نحن الإسلاميين بضرورة محافظة الأمة التي تريد أن ترتقي إلى المعالي وتتقدم الصفوف على دينها وعقيدتها وتراثها وأصالتها، لأن الأمة التي تنسلخ هي وأفرادها عن دينها وقيمها فلن يكون مكانها إلا في مؤخرة الصفوف وفي ذيل القافلة الإنسانية على كل المستويات عسكريًا وعلميًا واقتصاديًا، وإن التاريخ قد سجل ودوّن أن أممًا كثيرة ما كانت لتتقدم وتخلع ثياب اليأس والذل والجهل، إلا بعد أن قاد زمامها قادة عصاميون تمسكوا بالأخلاق والتزموا بدينهم وحافظوا على مكونات شخصيتهم وفق تعاليم رسالاتهم حتى وإن كانوا غير مسلمين.
وكما قال المثل العربي المشهور: “ولكن مغنّية الحي لا تطرب”، هذا المثل يقال للإشارة إلى أن كل ما هو غريب فإنه الأفضل، ولأن فكرتنا نحن الإسلاميين ينظر إليها بعض المهزومين بعين الشك والريبة، ولأنهم ينظرون إلى ما هو مستورد وغريب ووافد نظرة الإكبار والإعجاب فإننا نسوق أمثلة لنماذج من كبار القادة في العالم والذين باتوا من عظماء أممهم لا بل من عظماء الكون وكيف أنهم كانوا يتمسكون بتعاليم دينهم وأخلاق تراثهم.
وعندها يكون التساؤل المر والمحير، لماذا هؤلاء كانت انتصاراتهم وتقدم أممهم بسبب التزامهم بدينهم وبالأخلاق الفاضلة، بينما اعتقد وآمن قادتنا العرب والمسلمون أن الشرط لرفعتهم وتقدم أممهم وشعوبهم لا يتأتى إلا بالانسلاخ عن دينهم والانحراف عن عقيدتهم وأخذ ما عند الآخرين؟ وليتهم أخذوا الفاضل والحسن من عند الآخرين بل إنهم ما تعلقوا إلا بالقشور والتافه الرخيص.
نعم إننا نسوق هذه الأمثلة عن هؤلاء وبألسنتهم لأن كلامنا قد لا يُطرب البعض، فنسمعهم كلامًا من خارج الحي وبلسان ذلك الغربي لعلهم يطربون له ثم يعرفون حقيقة الذي هم فيه.
يقول “مونتغمري” أعظم قادة الحرب العالمية الثانية وهو القائد الإنجليزي الذي انتصر وهزم قوات المحور ألمانيا وحلفائها في معركة “العلمين” خلال حديثه عن كيفية إعداد شعب قوي وأمة قوية وذلك في ص291 في كتابه – السبيل إلى القيادة-: وبالإضافة إلى تزويد المدارس بنظام تربوي جيد وبمعلمين ماهرين، ينبغي أن يتيسر فيها نظام سليم للتدريس الديني بالتعاون مع رجال الدين). ترى ماذا يقول الزعماء العرب، الملوك والرؤساء والأمراء الذين يحاربون العلماء ويطاردونهم قتلًا وسجنًا وتهجيرًا بدل التعاون معهم وفق نصيحة مونتغمري للارتقاء الايماني في بلده؟ وماذا يقول من استبدلوا دروس الدين برقص الباليه في مدارس دولهم؟ وماذا يقول من حاربوا الحجاب واللحية بل من أعادوا صياغة مناهج التعليم وتنظيفها من كل المعاني بل من كل الآيات والأحاديث التي قد تغضب سيدهم في البيت الأبيض والتي تعكّر صفاء مشروع التطبيع مع إسرائيل.
ويقول مونتغمري في كتابه – السبيل إلى القيادة ص302- وذلك في نصيحة يسديها لأبناء دينه وقومه: “إن الإنجيل كتاب ملائم جدًا للقراءة قبل النوم”.
فماذا يقول من جعلوا القرآن وراء ظهورهم؟ يقول الكاتب المسلم الفاضل والعسكري العراقي الفذ اللواء الركن محمود شيت خطاب في كتابه -بين العقيدة والقيادة-: “بقي أن تعرف أن مونتغمري متدين إلى أبعد الحدود لم يدخن ولم يعاقر الخمر ولم يكشف ذيله في حرام وكان في حياته مستقيمًا متقشفًا ومع ذلك فهو أعظم قادة الحرب العالمية الثانية، فأين منه من يدعي أن القيادة والعقيدة متناقضان”.
ونحن نقول أين منه من لا يبيتون ولا ينامون إلا على السكر والخمر والزنا والرذائل؟ وأين منه من جعلوا الإمارات المتحدة أشهر مستهلك للعالم في الخمور في باراتها وحاناتها ومراقصها وفنادقها، حتى أن الإسرائيليين يطلقون على دبي اسم” مدينة الآثام” مثل مدينة سدوم من مدن قوم لوط؟ وأين منه من قرروا إباحة شرب الكحول والخمور في مدينة نيوم وعلى منتجعات البحر الأحمر على بعد 70 كم من مكة المكرمة كما يفعل ذلك محمد بن سلمان حيث إقامته حفلات الترفيه والرقص والغناء والمصارعة وعروض الأزياء.
أما اللواء أيزنهاور الذي قاد قوات الحلفاء في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية ثم أصبح بعد ذلك رئيسًا للولايات المتحدة فقد كان متدينًا ورعًا ملتزمًا بتعاليم الدين وقد ذكر وزير خارجيته جون فوستر دالاس أن أيزنهاور كان يرضخ لآراء قسيس الكنيسة التي يؤدي فيها صلواته في واشنطن حتى في القضايا السياسية) هؤلاء هم الأمريكان!!!
أما اللواء ديغول رئيس فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية: (فقد كان متدينًا غاية التدين ولمّا توفي عام 1970، كتب أحد رجال الدين عنه مقترحًا إعطاءه لقب قديس لأنه كان متمسكًا بدينه كأقوى ما يكون التمسك ولأنه حرص على مقاومة الرذيلة وإشاعة الفضيلة في فرنسا).
وديغول هو الذي قال جملته المشهورة بعد تحرير فرنسا من الجيش الألماني مشيرًا إلى بيوت الزنا والرذيلة في باريس: “أغلقوا هذه المواخير فإنها السبب فيما حل بنا”.
هؤلاء هم الفرنسيون، فماذا يقول الأشاوس والأبطال من العرب حيث تنتشر بيوت الزنا القانونية وبحماية الدولة في بيروت ودمشق وبغداد وتونس وغيرها.
أما المشير “فورن روتشيد” وهو القائد الألماني الأشهر والأكفأ بين القادة الألمان خلال الحرب العالمية الثانية “كان ملتزمًا بالفضيلة والدين، وإن أصدقاءه المفضلين لديه القريبين من نفسه هم رجال الدين، كان يحترمهم أعظم الاحترام، ويصغي إلى نصائحهم ويسعد بلقائهم وصحبتهم حتى في أحرج الظروف الحربية، وكان أول عمل يبدأ به بعد احتلال مدينة من المدن هو السؤال عن الكنيسة والذهاب للصلاة فيها، فإذا علم أن البلد محرومة من الكنائس أو أن كنائسها مغلقة بسبب ظروف الحرب، بادر إلى الأمر بفتحها وإقامة الشعائر الدينية فيها للناس”. هؤلاء هم الألمان!!!
وعليه فإننا نقول: لماذا أبدع هؤلاء وسموا وارتقوا وانتصروا بينما ذل وهان العرب والمسلمون؟ وبغض النظر عن رؤيتنا للدين الذي ينتمي إليه أولئك وهل هو الحق أم لا، وعن الحق الذي ينتمي إليه بنو العرب وقد ضيعوه.
إن الجواب يكون من خلال حملات التطهير والتنظيف التي يطلقها القادة العرب والمسلمون الأشاوس على عمليات فصل كل ضابط أو جندي تظهر عليه علامات التزام بالإسلام والتدين وإقامة الشعائر الدينية، وصلت في مصر إلى درجة عدم قبول من يتقدم للجندية في صفوف الجيش إذا ثبت أن قرابة تربطه بأحد أفراد الإخوان المسلمين، حتى وإن كانت من الدرجة الرابعة. نعم إن أولئك القادة الأوروبيين كانوا يعملون من أجل أمتهم، أما قادتنا وزعماؤنا فإنهم يريدون أن تعمل كل الأمة من أجل ذواتهم.
وما أصدق وأجمل ما قاله ديغول في جملته المشهورة عن مفهوم الدكتاتورية لمّا قال عن نفسه: “إذا لم أعجب الناس فسأغادر البلد”. أما الدكتاتور والملك والرئيس والأمير من بني يعرب فإنه يقول: “إذا لم أعجب الناس فيمكنهم مغادرة البلد”، لا بل إن شبيحة بشار الأسد كانوا يهتفون بالقول “يا بشار الأسد يا منحرق البلد”.
وفعلًا كم هم الدعاة والأخيار والأفاضل والعلماء الذين غادروا بلادهم وأوطانهم، ويا للأسف لم يجدوا إلا بلاد الغرب يلجأون إليها فرارًا بدينهم من الطواغيت الذين أعلنوا الحرب على دعوة الله سبحانه وعلى كل شريف ومحب لوطنه ودينه، هؤلاء الطواغيت الذين لا يطربون للصوت الأصيل يناديهم به الأخيار، بل يطربون لمن هم من خارج الحي لأنهم نشاز، ولذلك فإننا سقنا لهم ما يقوله عظماء من خارج الحي لعل هذا يطربهم فيحرك فيهم بعض الغيرة والنخوة.
ورغم أن أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة والسمو من قادة العرب والمسلمين لم تطربهم مغنية الحي ولن تطربهم مقولات وأفعال كبار قادة الغرب من الذين رأوا في دينهم السلاح الأقوى في مواجهة أعدائهم فإننا سنصدح ونصدع في آذانهم بما هو من صلب عقيدتنا وديننا وتراثنا، ليس لأنهم يسمعون ويطربون ولكن معذرة إلى ربهم ولعلهم يتقون.
فها هو الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: “كنا معشر العرب أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغير الإسلام أذلنا الله”.
بل إنه الرسول الهادي ﷺ الذي قال: “إذا تبايعتم بالعينة ورضيتم بالزرع وأخذتم أذناب البقر وتركتم الجهاد في سبيل الله سلّط الله عليكم ذلًا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم”.
بل إنه الله سبحانه رب محمد رب العالمين الذي قال {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا، الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}.
وما أجملها أبيات الشعر لخّص فيها الشاعر ما كان عليه العرب وما أحدثه فيهم الإسلام من نقلة نوعية، وما هي الأخلاق التي غرست في شبابهم حتى سادوا الدنيا وأصبحوا قادتها:
ملكنا حقبة في الأرض ملكًا يدعمه شباب طامحونا
شباب ذللوا سبل المعالي وما عرفوا سوى الإسلام دينا
تعهدهم فأنبتهم نباتًا كريمًا طاب في الدنيا غصونا
إذا شهدوا الوغى كانوا كماة يدكون المعاقل والحصونا
وإن جن المساء فلا تراهم من الإشفاق إلا ساجدينا
شباب لم تحطمه الليالي ولم يسلم إلى الخصم العرينا
ولم تشهدهم الأقداح يومًا وقد ملأوا نواديهم سجونا
وما عرفوا الأغاني مائعات ولكن العلا صنعت لحونا
فما عرف الخلاعة في بنات ولا عرفوا التخنث في بنينا
كذلك أخرج الإسلام قومي شبابًا مخلصًا حرًا أمينا
وعرّفه الكرامة كيف تبنى فيأبى أن يقيد أو يهونا
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
التعليقات