بقلم الشيخ كمال خطيب
التفريخ وإعداد الطبيخ
إن سوء الفهم لطبيعة العلاقة الزوجية خاصة من قبل الزوج والذي يحصر مهمة زوجته ووظيفتها الأساسية بإنجاب الأطفال وتفريخهم وإعداد الطبيخ. أقول إن سوء الفهم هذا يجعل جسد المرأة مع زوجها، ولكن عواطفها وأحاسيسها ليست معه وليس ذلك فحسب، بل إن الحياة الزوجية ستتحول إلى جحيم ونكد وتعاسة بدل أن يكون بيت الزوجية هو سكن ومودة ورحمة كما قال الله سبحانه {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} آية 21 سورة الروم.
إن من الأزواج من يتعامل مع زوجته كأنها قطعة من الأثاث يجلس عليها متى يشاء، ويبتعد عنها متى يشاء، ويحركها كيفما يشاء بعيدًا عن المشاعر والأحاسيس والعواطف، وهو بذلك ليس فقط يقطع أواصر المحبة والاحترام بل إنه يبني جدارًا من القطيعة والتباعد بينه وبين زوجته، يقول الأستاذ الدكتور عبد الحميد البلالي في كلماته الرائعة: “أيها السادة، المرأة بشر له أحاسيسه وقيمته ودوره في الحياة والعلاقة الزوجية هي علاقة بشرية تربطك بامرأة من لحم ودم وروح وليست من جماد، فإذا أردت کسب زوجتك وتحويل الزواج إلى سعادة تلو سعادة فلا بد أن تعامل زوجتك معاملة البشر فتستشيرها بأمورك، وتشركها في قرارتك وتجلس معها لتبث لها همومك وتسمع منها همومها، وتمزح معها وتمزح معك، تشعرها بإنسانیتها وآدميتها، وتعف عن التحقير والسب والشتيمة، وتعتذر منها إن اخطأت بحقها، و تخبرها إن تأخرت خارج المنزل، وتهدي لها بين فترة وأخرى، وتحترم آراءها واقتراحاتها، وتناديها بأحب الأسماء إليها أو بإسم تشتقه من اسمها فيه نوع من التودد، وتتودد إليها كما تحب أن تتودد هي إليك، وإذا ما اختلفت معها يومًا فإياك والإهانة والسب والشتيمة، وعليك بالحلم فإنه سيد الأخلاق، ولا يظن أحد أن في ذلك إهانة للرجل أو تنازلًا عن قوامته بل هذا هو جزء وأصل من الرجولة والقوامة، فلا خير في رجولة لا تراعي ضعف امرأة والرسول ﷺ يقول: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”، وهو القائل: “لا تزوّج ابنتك إلا تقيًا، إذا أحبها أكرمها وإذا كرهها لم يظلمها”.
ثم إن الحياة الزوجية هي ليست فقط من أجل قضاء الشهوة الجنسية، فتجد من الرجال من يتعامل مع بيته كأنه فندق يأتي ليبيت به عتمة الليل، ثم يخرج منه في الصباح لا يأبه بما فيه ولا بمن فيه، يتعامل مع زوجته كأنها قطعة من الأثاث أو ماكنة للتفريخ وإعداد الطبيخ. إن هذا الزوج الفندقي لا يعرف قيمة الحياة الزوجية ولا العشرة الطيبة ثم إنه بهذا التصرف يضرب المسامير في نعش أسرته، يقول الدكتور عبد الحميد البلالي: “فبئست الرجولة إذا كانت قائمة على هذه الأنانية والهجران، وعدم المشاركة في الحلوة والمرةّ، وبئس الفهم للحياة الزوجية إذا كان مقتصرًا على العملية الجنسية وما يدخل في البطن، نقول لمثل هؤلاء إن من لا يستطيع أن يتحمل أعباء الزواج فلا يتزوج لأن بنات الناس لسن ألعوبة بأيديكم”.
السلاح غير التقليدي
إننا نرى الدول عندما تحارب فإنها تستعمل فيما بينها الأسلحة التقليدية المتعارف عليها كالطائرات والمدافع والدبابات والصواريخ، ولكن حينما تريد دولة أن تفتك بأخرى وأن تذلّها وأن تبطش بها وتسومها سوء العذاب فإنها تستعمل الأسلحة الفتاكة كالأسلحة النووية والبيولوجية والتي تسمى أسلحة غير تقليدية.
“تخلينيش أقولها”، “بتسكتي واللا أقولها”، “آخر مرة بحذرك وإلا بقولها”، “كل رأسمالك كلمة”، نعم إنه الطلاق السلاح غير التقليدي الذي يظن الرجل أنه يمتلكه للتحكم بزوجته وإذلالها وإجبارها على التأسف والبكاء عند قدميه وتحقيق ما يريده، وينسى أن هذا السلاح أي التهديد بالطلاق إنما هو سلاح ضعيف الشخصية غير القادر على حلّ مشاكله بالتفاهم، ثم إنه يجهل أن الطلاق ما شرع إلا ليكون حلًا للمشكلات المستعصية التي يكون من المستحيل الإبقاء على الحياة الزوجية ليصبح الطلاق هو الحل وليكون برفق وإحسان كما قال سبحانه {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} آية 229 سورة البقرة. لا بل إن الله سبحانه وتعالى قد أوصى من وقع بينهما الطلاق للظروف القاهرة التي يستحيل العيش معها أن لا ينسوا العيش المشترك الذي كان بينهما لما قال {وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} آية 237 سورة البقرة.
ولعلّ مما يؤسف له أن المحاكم الشرعية أصبحت تزخر وتزدحم بآلاف ملفات الطلاق تنتظر النظر والبتّ فيها، حيث أن من كل خمسة عقود زواج فإن واحدًا منها يقع فيه الطلاق بين الزوجين، وما هذا إلا لسوء فهم مغزی الطلاق، ولسوء فهم المغزى منه وأنه آخر العلاج وليس ما يصبح كلمة سهلة على ألسن الرجال يتفاخرون بالحلف والتهديد به بما يستحق وبما لا يستحق، حتى أننا نسمع صبيانًا غير متزوجين يقسمون بالطلاق، لسان حال الواحد منهم يقول: “علي الطلاق …” ظانًا بأن هذا يرتقي به إلى مقامات الرجولة.
يحدّث المرحوم الشيخ علي الطنطاوي في صفحة 311 من الجزء الرابع من كتابه -ذكريات- من قرية دوما السورية التي تولى فيها القضاء في الأربعينات من القرن الماضي: “وكان أهلها يكثرون إلى حدّ المبالغة في الحلف بالطلاق حتى أن شهرة أهل دوما بالحلف بالطلاق کشهرة أهل لبنان بسب الدين -أستغفر الله-، يقول الشيخ الطنطاوي رحمه الله: “إن قاضيًا جاء أيام الدولة العثمانية إلى دوما فأراد أن يمنع هذه الخلة والصفة القبيحة فيهم، فأرسل مناديًا يتجول بين بيوت أهل دوما يقول لهم: إن من يحلف بعد اليوم بالطلاق سيعاقبه القاضي. ولما أصبح الناس يشككون بكلام هذا الرجل بين مصدّق ومكذّب، وإذا بالمنادي مبعوث القاضي يقول لهم: عليّ الطلاق من امرأتي أن هذا هو كلام القاضي لم أزد ولم أبالغ”.
يقول المرحوم الشيخ الطنطاوي: “وقد تكون هذه القصة مختلقة ولا أصل لها، وربما كانت مسوقة مساق النكتة، ولكن لدي حقيقة سمعتها بأذني: كنت في غرفتي في قصر الحكومة وكان بين جدار القصر والشارع حديقة ضيقة فيها أشجار تظل الطريق، فسمعت نسوة قاعدات فيها مستندات إلى جدار القصر تحت شباكي يتناقشن في أمر فإذا واحدة منهن تحلف بالطلاق أن الذي تقوله صواب !!!”.
أيها الزوج إن كثرة استعمالك لألفاظ الطلاق لهو الدليل الأقوى على ضعفك، فلا تظن أنك بالحلف بالطلاق فإنك تشهر السلاح البتّار الفتّاك غير التقليدي الذي تمتلكه ضد زوجتك، فاتق الله وتذكّر أن سهام الليل من دعوات زوجتك المظلومة عليك هي أقوى من سلاحك هذا، فالحذر الحذر ولا تلعب بالنار أيها الزوج.
أزواج مطلوبون للعدالة: Wanted
1. الزوج الذي لا ينفق على زوجته وأولاده، بل إنه يطاردهم في صدقات الناس عليهم ليشتري وجبة مخدرات أو زجاجة خمر أو علبة سجائر.
2. الزوج الذي يترك زوجته الشرعية ويتردد على الغانيات المومسات وبيوت الدعارة الرسمية وغير الرسمية.
3. الزوج الذي يرتبط بامرأة غير زوجته حيث يوقع كليهما على ورقة أو عند محام، حيث لا يعتبر هذا عقد زواج شرعي وإنما هو الزنا بعينه ولا يترتب عليه أي حقوق زوجية، وإذا كان هؤلاء الأزواج في الماضي يذهبون إلى دول يتم فيها إجراء هذه المعاملات فإن مثل هذه العلاقات أصبحت تتم اليوم في بلادنا.
4. الزوج الذي يريد الزواج بثانية وهو يدّعي تطبيق السنة والشفقة على الفتيات غير المتزوجات، وبعد مدة من الزواج وإذا بزوجته الأولى تشتكي الظلم والتقصير والإهانة، وإذا بالبيت يتصدّع ويتفكّك فيصبح مثالًا سيئًا للتعدد وأهدافه المقدسة وغاياته النبيلة.
5. الرجل ابن ستين سنة أو سبعين من عمره، وسواء لسبب موت زوجته أو طلاق أو أي سبب آخر فإنه يتزوّج من فتاة ابنة عشرين أو ثلاثين سنة حيث فارق السنّ سيشكل ويكون مصدر عدم انسجام بينهما، والأخطر من ذلك عجز هذا الرجل الوشيك أو موته الوشيك خاصة إذا ولد من هذا الزواج أطفال، لا يمكن لمن هو في ذلك الجيل أن يحسن تربيتهما وتنشئتهما بطبيعة فارق الجيل بينهما.
6. الزوج الذي “کشرته بتقطع الرزق”، “ولا يضحك للرغيف السخن” إذا كان في بيته ومع زوجته وأولاده، فإذا التقى مع زميلة العمل أو زوجة الصديق والجار فإنك لا تكاد تعرفه وهو يقهقه ويمزح ويضحك، نعم إنه هو، هو الذي إذا دخل بيته قال: “سلام دار قوم مؤمنين” أي كأن البيت مقبرة فالتزموا جميعًا الصمت والعبوس حتى يحين موعد نومه أو خروجه ليتنفس من في البيت الصعداء بعد أن كبتت أنفاسهم.
7. الزوج التافه الذي ليست عنده ضوابط ولا ذوقيات يقف عندها خلال تواصله مع الآخرين، حتى أن من بين أبناء شعبنا من أصبحوا مثل الأجانب إذا التقى زوجان، فليس فقط أنهما يتصافحان باليد هذا الزوج مع زوجة الآخر والعكس، وإنما وصل البعض إلى حد تبادل القبلات عند السلام في تقليد للأجنبي بعيدًا عن معاني الحلال والحرام وحتى المروءة والشهامة.
قال بكر بن عبد الله: “أحق الناس بلطمة من أتى طعامًا لم يدع إليه، وأحق الناس بلطمتين من يقول له صاحب البيت اجلس هنا فيقول لا بل أجلس هنا -أي في مكان غير الذي أشار إليه صاحب البيت-، وأحق الناس بثلاث لطمات من دعي إلى طعام فقال له لصاحب المنزل: ادع زوجتك تأكل معنا”.
إن كل هؤلاء الأزواج مطلوبون للعدالة “Wanted” نظرًا لما تترتب عليه أفعالهم من نتائج وآثار سلبية.
أيهما أشرس زوجتك أم الأسد؟
لعلّ كثيرًا من الرجال يشتكون من زوجاتهم وكثرة إثارتهن للمشاكل وصعوبة العيش معهن، فتضيق عليه الأرض بما رحبت ويصبح في حيرة من أمره مع أنه في الحقيقة يملك من الأسلحة الفتاكة والحيل الجبّارة ما يمكّنه لينجح في تقريب زوجته إليه ودوام الألفة بينهما، وعليه فإنني أسوق هذه القصة مما تصلح مثالًا للزوج والزوجة كل تجاه الآخر فيروى أن: “زوجًا اشتكى إلى أحد الصالحين كثرة المشاكل في حياته وكثرة إثارة زوجته للمشاكل في البيت وتقلبات الحياة بينهما، فقال له الرجل الصالح سأساعدك ولكن شريطة أن تأتيني بثلاث شعرات من رأس أسد!! قال: من رأس أسد؟! قال: نعم. فقام الرجل واشترى لحمًا وطعامًا وذهب إلى قفص الأسد في حديقة الحيوان حتی إذا اقترب الأسد من الجدار ألقى إليه الطعام واللحم، وهكذا في اليوم الثاني والأيام التي بعده حتى ألفه الأسد. وفي ذات يوم ألقى اللحم في قفص الأسد ومدّ يده وراح يربت على رأس الأسد ويداعبه ثم انتزع منه الشعرات وعاد بها إلى الرجل الصالح وقال: هذه هي الشعرات الثلاث، فقال الرجل الصالح: أومن رأس الأسد؟؟ قال: نعم. قال: عجبًا لك أجدت ترويض الأسد ولم تُجِد ترويض زوجتك… وأنت أيتها الزوجة أتجيدين ترويض الأسد ولا تجيدين ترويض زوجك!!
أيها الزوج أيتها الزوجة بالحب والودّ والاحترام يتحقق المستحيل ولقد قالتها تلك الأم العربية العاقلة توصي ابنتها قبيل الزواج: “كوني له أمَةً يكن لك عبدًا”، إنك لا ترضين أن يعاملك كجارية بالإكراه ولن يرضى أن يكون لك عبدًا بالقهر، ولكن بالحب والودّ والصفاء وحسن العشرة تجعلينه كذلك كما قال أحدهم لمن يحبها وقد كان في مكانة اجتماعية ومركز مرموق:
أما يكفيك أنك تملكيني وأن الناس كلهم عبيدي
وأنك لو قطعت يدي ورجلي لقلت من الهوى أحسنت زيدي
وكما قالت إحداهن لمن أحبته فتزوجته وقد كان خادمًا مطيعًا عندها فأصبح زوجا، وأصبحت له مطيعة:
صد عني إذ رآني مفتتن وأطال الصبر لما أن فطن
كان مملوكي فأضحی مالكي إن هذا من أعاجيب الزمن
هكذا تصبح الزوجة أمَةً برضاها ويصبح هو عبدًا باختياره، ومفتاح ذلك الحب والرفق واللين، فإذا روضت الأسد باللقمة الطيبة فإن البشر يروّضون بالرفق وبالكلمة الطيبة.
أيها الزوج: “إنه الرفق ما دخل في شيء إلا زانه وما انتزع من شيء إلا شانه” كما قال النبي ﷺ، وكما قال الشاعر:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فلطالما استعبد الإحسان إنسانا
فالإحسان الإحسان، وتذكّر أنها زوجتك، أم أولادك فأحسن إليها تكن جنتك، ولا تسيء إليها فتكن نارك.
اللهم إنا نعوذ بك من النار ومن عذاب النار، اللهم وأدخلنا الجنة مع الأبرار برحمتك يا عزيز يا غفار.
اللهم كما حسّنت خلقنا فحسّن أخلاقنا یا رب العالمين. ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون
التعليقات