كانت البشرية ولا تزال تسمع سؤالًا يتردد على ألسنة الكثير من المسؤولين الأمريكيين سواءً كانوا ساسة أو إعلاميين أو باحثين أو حتى فنانين: (لماذا يكرهوننا؟!)، ومفاد هذا السؤال أن هؤلاء المسؤولين كانوا ولا يزالون يتساءلون لماذا يكره أمريكا الكثير من أهل الأرض على اختلاف لغاتهم وأنسابهم وألوانهم وأديانهم؟! وكأني بهؤلاء المسؤولين يتقمصون شخصية الضحية، ويفرضون على الآخر غير الأمريكي شخصية المُتهم، وكأني بهم يقولون في قرارة أنفسهم: لماذا يكره الآخر غير الأمريكي أمريكا ونحن نواصل الترويج للحلم الأمريكي في كل الدنيا؟! وهل غفل هذا الآخر غير الأمريكي عن تمثال الحرية الذي لا يزال يحمل شُعلة الحرية لكل أهل الأرض، ولا يزال منتصبًا على شواطئ نيويورك؟! أم غفل هذا الآخر غير الأمريكي عن شراب الكوكا كولا، ووجبة الهمبرغر والمكدونالد، التي أغرقنا بها كل الأرض؟! أم تناسى دورنا الوحيد في كل الأرض حيث كنّا ولا زلنا نسعى لنشر السلام العالمي وقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وحق تقرير مصير الشعوب والأخوة الإنسانية؟!
ولا أدري هل هؤلاء المسؤولون الأمريكيون يطرحون هذه الأسئلة وهم جادون أم من باب الدلع الأمريكي؟! أم هم يطرحون هذه الأسئلة من باب استغفال الآخر غير الأمريكي أم من باب خداع أنفسهم؟! ثمَّ لا أدري هل غاب عن هؤلاء المسؤولين الأمريكيين أنَّ هذا الآخر غير الأمريكي لا يزال يحفظ لأمريكا أنها هي التي أبادت الكثير من الهنود الحمر والمخطوفين الأفريقيين الذين صادرت حريتهم وخطفتهم من أرضهم وبيوتهم وأوطانهم وباعتهم رقيقًا في سوق الحلم الأمريكي!! كما وأن هذا الآخر غير الأمريكي لا يزال يحفظ لأمريكا أنها هي أول دولة في تاريخ البشرية تجرأت وألقت قنابلها الذرية على هيروشيما وناجازاكي!! وأنها هي الدولة المغرورة قاسية القلب التي كادت أن تحرق فيتنام وأن تحرق شعبها وهو حي!!
ويكفي للضمير الإنساني الحي سواء كان مسلمًا أو مسيحيًا أو يهوديًا أو صاحب أية ملة في الأرض أن يقف عند هذه الأفعال المشينة حتى تنبت في داخله الكراهية للسياسة الأمريكية ولا أقول الكراهية للشعب الأمريكي!! ثمَّ أليست هي أمريكا صاحبة صولات الكاوبوي الأمريكي في أفغانستان؟! وهل سينسى هذا الضمير الحي العالمي ماذا فعلت أمريكا في أفغانستان؟! أليست هي التي جرّبت أسلحتها الفتاكة على الشعب الأفغاني وعلى أرضه وبيوته وجباله وسهوله ومقدساته؟! أليست هي التي قتلت من الشعب الأفغاني رقمًا ضخمًا لا يزال مجهولًا حتى الآن!! مما دفع البعض من البشرية المُنهكة أن يقول بحسرة وألم: لقد قتلت الكثير من الشعب الأفغاني!! أو دفع البعض من البشرية أن يقول فائض العبرات: شردت الملايين منه!! أو دفع البعض أن يقول: لقد تركت أمريكا أفغانستان كالأرض المحروقة بسبب كثرة ما ألقت عليها من متفجرات مرعبة استطاع بعضها أن يزيل جبالًا عن رواسيها، وأن يحرق مساحات واسعة من تربة أفغانستان وستبقى هذه الأرض المحروقة بحاجة لسنوات طويلة قد تكون عقودًا أو أكثر حتى تعود صالحة وينبت فيها النبات من جديد!!
فإذا كان هذا هو بعض ما فعلته أمريكا بأفغانستان، فماذا ينتظر هؤلاء المسؤولون الأمريكيون من الأجيال الناشئة الأفغانية التي رأت كل هذه الويلات الأمريكية بأعينها، ولا تزال تحفظ مشهد قتل أب لها أو أم أو زوج أو زوجة أو ابن أو بنت أو قريب أو جار أو قتل أبن بلدتها وشعبها ووطنها؟! هل تظن أمريكا أن هذه الأجيال المنكوبة بفعل أمريكا عندما ستبلغ سن الرشد هل ستذوب غرامًا في أمريكا؟! وهل ستُنادي بعاطفة الأبن اتجاه أمه: ماما أمريكا؟! أم أن هذه الأجيال الناشئة إلى جانب كل ضمير حي في الأرض سيحملون الكراهية لسياسة أمريكا بسبب ما أوقعته من ويلات وفواجع على أفغانستان وعلى الشعب الأفغاني؟! وهل نسيت أو تناست أمريكا ما اقترفت يداها في العراق؟! أليست هي التي عرّفت أهل الأرض على سلاح اليورانيوم المنضب الذي ألقته على العراق؟! وإلا فإن أهل الأرض ما كانوا قد سمعوا عن اليورانيوم المنضب قبل ذلك، وما كانوا قد عرفوه؟!
وهل سينسى الضمير الحي الإنساني العالمي مُصطلح (سجن أبو غريب الأمريكي في العراق)؟! أم سينسى مشهد الكلاب الأمريكية وهي تقفز على الأسرى العُراة العراقيين؟! أم سينسى الفظائع التي ارتكبتها (البلاك ووتير) في العراق والتي أحالت الملايين من الشعب العراقي ما بين قتيل وسجين ومفقود وشريد؟! أم سينسى مشهد الجُنديات الأمريكيات وهي تتلهى ساخرة بالأعضاء التناسلية لأسرى عُراة عراقيين؟! أولا يعلم الخبراء الأمريكيون أن لهؤلاء الملايين من العراقيين القتلى أو السُجناء أو المفقودين أو المُشردين أبناءً كانوا أطفالًا عندما غزت أمريكا العراق، ثم أصبح هؤلاء الأطفال كبارًا في هذا العام 2023 الذي نعيش فيه، ولا شك أنهم سمعوا عن كل ما أوقعته أمريكا على وطنهم العراق وعلى أهلهم العراقيين المنكوبين؟! فكيف سيكون شعورهم تجاه أمريكا؟! هل سيهيمون بها غرامًا؟! وهل سيَنظمون لها قصائد العشق؟! وهل سيبعثون لها برسائل الحب المُتيم بماما أمريكا أم أن كل هذه الفظائع التي ارتكبتها أمريكا في العراق ستُبذر فيهم بذور الكراهية للسياسة الأمريكية ولا أقول بذور الكراهية للشعب الأمريكي؟! ألا يقول المثل الحكيم: إنك لا تجني من الشوك العنب؟! فلماذا تتوقع أمريكا أن تجني بذور الحب من أرض العراق وقد بذرت فيها بذور الكراهية؟!
وماذا تتوقع أمريكا من الشعب المصري الذي خطفت حلمه يوم أن أجهضت له ربيعه العربي وساندت من تآمر على ربيعه العربي وعلى رئيسه المُنتخب الشهيد محمد مرسي، هل بعد ذلك سيقول الشعب المصري لأمريكا: يا مالكًا قلبي؟! وهل سيُغني لها أغنية حكاية غرامه الطويلة؟! أم سينبت في أرض مصر بذور كراهية للسياسة الأمريكية التي بذرتها أمريكا بلحمها وشحمها في أرض مصر؟!
وماذا عن الشعب الفلسطيني الذي كان ولا يزال يذوق الويلات من الساسة والسياسة الأمريكية؟! ماذا عن أطفال الكارثة الإنسانية في غزة؟! وماذا عن رجال هذه الكارثة ونسائها ومرضاها ؟! وماذا عن جياعها وعطشاها ومُشرديها؟! وماذا عن مئات الآلاف التي ما عادت تجد لها بيتًا، ولا ماء ولا دواء ولا وقودًا ولا كسرة خبز بسبب هذه الكارثة؟! أليست هي أمريكا التي أعطت الدعم المُطلق للمؤسسة الإسرائيلية في أيام هذه الكارثة ولياليها؟! ثم أليست هي التي زودت المؤسسة الإسرائيلية بالسلاح والخبراء والدعم السياسي والإعلامي والدبلوماسي في لحظات وقوع هذه الكارثة؟! ماذا تنتظر أمريكا من الشعب الفلسطيني؟! هل تنتظر منه أن يُقدم لها الاعتذار لأن البعض لا يزال منه أحياء رغم فداحة تلك الكارثة؟!.
التعليقات