تعلّمنا في أروقة الجامعاتِ أن نكون موضوعيين قدرَ الإمكان ، وعلّمنا القُرآن الكريم - من قبلُ - وجوبَ العدل مع القريبِ والغريب ، فقال ( جلّ من قائلٍ ) [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ] . وقد صدّرتُ مقالتي بهذا التّقديم بسبب الجوّ المُكهرب والمشحون في العالم العربيّ ، فما أن يتكلّم أحدٌ بإيجابيّة أو حتّى حياديّة حول الإخوان ، حتّى يُتعامل معه كما لو أنّه خرق الصفّ العربيّ!
والحقيقةُ الّتي شاهدناها جميعًا في الشّهر الأخير هي أنّ الإخوان المُسلمين أظهروا قدرًا كبيرًا من الحسّ الوطنيّ والحفاظ على السّلم والأمن المصريّ. فقد قُتل منهم العشرات ، واعتقل المئات ، واغتيل خيار الشّعب الّذي أرادهم واختارهم ومع ذلك فهم يُصرّون على سِلميّة التّعبير عن الرّأي .
عن نفسي بتُّ مقتنعًا أكثر فأكثر بوجوب أن تكون تعبيرات الإسلاميين سلميّة مهما كان الظّرفُ ومهما اشتدّ الخطبُ ، ومسألة الخروح المُسلّح عندي غير جائزة إلا في حالاتٍ خاصّة جدًّا جدًّا ضمن ضوابط كبيرة لا تكاد تتوافر في واقعنا !
والّذي يتخوّف منه الجميعُ أن يكون العسكرُ والأمن في مصرَ يضطرُ الإخوان المسلمين - ومن معهم من الإسلاميين - أن يتصرّفوا بردود الأفعال ، وردود الأفعال غالبًا ما تكون مشوّهةً تركّز على جانبٍ دون آخر ، وخيرُ دليلٍ على ذلك ، هو ما أفرزته السّجون المصريّةُ في حقبة أواخر الخمسينات والسّتينات حيثُ أفرزت تيارًا قسّم المجتمع إلى جماعةٍ مؤمنة وأخرى جاهليّة واشتدّ الأمر في أواخر السّبعينات والثّمانينات فأفرز تياراتٍ تكفيريّة استباحت الدّماء المعصومة إن للسُّيّاح أو حتّى المُسلمين ! أقولُ هذا التّخوف منطقيٌّ ومشروع ويَنبغي أن يكون نذير شؤمٍ وناقوس خطرٍ لكلّ المعنيين في أمن المنطقةِ من الشّرق والغرب.
إنّ قراءة تصريحات قيادات الصفّ الأوّل والقيادات الشّبابيّة للإخوان تدلُّ على أن الإخوان المسلمين استلهموا تجربة الخمسينات والسّتينات من محورين رئيسين مُهِمّين ، فأمّا المحورُ الأوّلُ فهو : عدمُ التّساذُج حدّ تسليم الأوراق كاملةً ، بحيث لا بُدّ من أوراق ضاغطة تمنع الاستفراد بالجماعة وإخراجها عن القانون ، والمحور الثّاني هو التّأكيد على عدم جرّ الجماعة إلى مواحهةٍ دمويّةٍ إن بطريق افتعال اي حادثٍ كما حصل في حادثةِ المنشيّةِ أو ببروز أفكار تكفيريّة تستبيحُ رفع السّلاح وإراقة الدّماء.
ولا شكّ أن الإخوان المُسلمين تحت هذين الضّابطين يضربونَ الآيات في التّجمل بالصّبر والتّحلُّم ، وهذه بعض الشّواهد:
- اختيارهم رابعة العدوية للتّظاهر السّلمي بين منشآتٍ عسكريّةٍ رسالته أنهم لا يريدون الاحتكاك بالآخر.
- عدم التّفكير باقتحام السّجون لاستخراج القيادات المعتقلة.
- عدم دعوة الجنود المصريين للعصيان وإن كانت قد صدرت لهم دعوات بأن لا يشاركوا في قتل إخوانهم وهذا منطقيٌّ جدًّا.
- اختيار أوقات لا تصادم فيها مع مظاهرات المُعارضة بشهادة الجميع.
- سقوط الشُّهداء والجرحى وضبط النّفس في التّعامل مع الحدث ، بالرّغم من فداحة الخسارة إن في مجزرة الإسكندريّة أو الحرس الجمهوري أو النّصب التّذكاريّ !
- القُدرة على الثّبات شهرًا كاملاً في ميدان رابعة العدويّة.
- القُدرة على إطعام هذه الجموع والقيام على احتياجاتهم الصّحيّة والعِلاجيّة شهرًا كاملاً ولو جُمع عددهم على مدار الشّهر لجاوز أربعين مليونًا !
- القُدرة على الصّمود والثّبات في ظلّ الهجمة الاعلاميّة الشّرسة.
- عدم مخالفة القانون بكلّ تفريعاته بالرّغم من هذا الضّغط الهائل.
- القدرة على استقبال مئات الالاف القادمين من خارج القاهرة وتوزيعهم على أماكنهم ، واحتمال حرارة الشّمس الحارقة.
- عدم الاستقواء بالخارج أيًّ كان هذا الخارج ، فلم نسمع من قيادات الاخوان اي مدح وإطراءٍ لأي طرفٍ خارجيٍّ بمن في ذلك دولة قطر.
- عدمُ التّصادم مع الأقباط بأي حال ، بل العكسُ هو الصّحيح فقد شارك بعض الأقباط الإخوان المسلمين رباطهم في رابعة العدويّة !
فهذه المواقف ينبغي أن يتذكرها الإنسان العربيُّ للإخوان المسلمين ولا يتوجّس خيفةً من بروز الإسلاميين ، بل على الغرب أن يتعلّم أنّ الإسلاميين أقدر على أنسنة الحياة العربيّة الّتي عاشت حالةً من القابليّة للاستبداد !
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]