بينما تولد الطفولة في العالم لتعيش متعة اللحظة وشغف الحياة، يعيش أطفال يافا حياة ماكرة ومرارةً ما وجدتْ لها مكانا سوى حارات يافا البائسة، التي تزدحم المشاهد والصور فيها، أما صورة اليوم هي الطفولة كاملة والتي وجدتُ لزوم الحديث فيها لأنها مسلوبة الحقوق، ضعيفة المنال، بائسة المظهر، كالحة الوجه، شاحبة الجبين، يُرى عليها آثار جرم وإجرام وظلم.
إن الأرقام الصادرة عن مركز الإحصاء المركزي تشير أن 50% من المجتمع العربي في مدينة يافا هي من شريحة الشباب، وجيل الطفولة، ومع هذه المعطيات، يجدر أن نطرح تساؤلات عن مصير أكبر شرائح المدينة عدداً وقوةً، ولطالما سألتُ نفسي عن ذلك المستقبل الذي ينتظرهم! هل فعلاً كما يقال في حفلات التخرج ومنصات الحياة عن مستقبل واعد ومشرق؟!!
إنها الطفولة التي وجدت نفسها أمام قصص العائلة المأساوية تواجه بصدرها الضعيف معاناة النقص والحرمان والفقر، ومشاحنات أفراد العائلة اليومية، ومشاهد طلاق الأم وضربها، وكلمات الشتائم، والسباب ما زالت راسخة في أذهانهم، لتشوش صفاء سريرتهم، وتخدش في براءتهم...
إنها الطفولة التي فُرضت على مسامعها أصوات طلقات النيران وأبواق الإسعاف والشرطة، في مسلسل دام شهدته المدينة وما زالت ،راح ضحيته 81 شابا من المدينة وعشرات الجرحى والمعاقين....
إنها الطفولة التي تربتْ على الحرمان و قلة الموارد، وبخل الغني، تكتم في قراراتها الأماني والأحلام، ترقبُ في طرفي أعينها ملذات الطفولة وجمال الحياة، ولو قدر لها لنطقت قبل أوانها ولقالت مقولتها الجميلة وانشودتها البريئة .."
إنها الطفولة التي ترعرعت على جهل الوالدين وقلة أخلاقهم، وضعف دينهم و فقدان حيائهم، حُرمت من حنان الوالدين، والشوق لكلمة عاطفية وضمة صدر، تلك الأبوة التي ما زلنا نشير إليها بإصبع الاتهام والمسئولية بتقصيرهم تجاه أطفالهم بتثقيفهم وتعليمهم وإرشادهم والسماع لشكواهم.
في بلدنا قد ضاعت من وجدان الطفولة معرفة الوطن وحب الناس وتقديرهم، لعنت سلفها ومزقتْ مصحفها وإنجيلها ،وتركت دينها ودين أبائها ولهثت وراء سراب وخراب.
في بلدنا حيث الحدائق المفقودة والألعاب البالية، والأبنية التي تعلو بيوتهم تحجب مستقبلهم لتقضي على أحلامهم في العيش بكرامة في حيهم وبلدهم، وقد أحتل مستوطن ساحتهم وعبثت الدولة في مقدراتهم وخيالهم...
إنها الطفولة التي لا تدري أي شباب ينتظرها، وأي حياة تتربص بها، وقد حفظت في قاموسها كلمات شاذة ما وسعت الطفولة حملها (شرطة، مستوطن، عنصرية، خولدئي، مخدرات، عميل، سموم ،سلاح، طخ، طلاق،ساقط، يا ابن الـ .....)
فبأي حق يفعل كل هذا بالطفولة؟!!!!، أين حماة القوانين؟!!!! وماذا تقول المؤسسات البلدية ؟!!! المؤسسات البلدية التي اعتبرناها وما زلنا نعتبرها أساسا ،وجزء من معاناة هذه الشريحة من المجتمع التي ستكون يوما - "المجتمع".
ومع هذا وغيره، فعلى الطفولة في بلدنا أن تبحث عن أحضان دافئة تحقق أمانيها وأحلامها لتطرد العميل، والمستوطن، من بينها، وتحقق مستقبلها لتحفظ وطنها وديارها، وإلا فعلى الطفولة أن ترحل من بلدنا لتبحث لها عن أرض وعن سماء وعن شاطئ وعن هواء وعن أناس وعن أمومة وعن طفولة ...
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]