المصريون هم من ابتدعوا ما يسمى بعيد الأم, تقليدا للغرب الذي يحتفل بيوم المرأة, واختار المصريون تاريخ 21 آذار وهو أول أيام الربيع, للاحتفال بعيد الأم, وأول احتفال كان في مصر عام 1956 , ثم انتقل إلى سوريه وغيرها من البلدان العربية, فإذا كان الهدف من الاحتفال بعيد الأم هو لتذكير الأولاد بفضل الأم وما بذلته وقدمته لأولادها طوال عمرها بطيب نفس وبلا مقابل, ولتذكيرهم بتقصيرهم نحو أمهاتهم ليحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبوا, فهذا شيءٌ جيّد, وعملٌ طيب, أما إذا كان الهدف من الاحتفال تقديم باقة ورد, أو هدية, أيا كان نوعها, ومهما بلغ ثمنها مصحوبة بتقبيل اليد أو الوجنتين, مع التمنيات لها بالبقاء وطول العمر, ومن ثمّ ينفض اللقاء, ويذهب الأبناء إلى حال سبيلهم, ثم يمر الأسبوع والأسبوعان, وربما الشهر والشهران, حتى يطلوا إطلاله سريعة على أمهم, فبأس العيد هو, لأن هذا من العقوق, ونكران الجميل, وانتقاصٌ من شأن الأم وعلو قدرها عند الله, فالله عز وجل أعلى شانها, ورفع قدرها من فوق سبع سموات, بحيث قرن برّها بتوحيده والعبودية له, فقال: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا, وكرر الله الوصية بالوالدين في سبع سور في القرآن الكريم, في سورة البقرة 83 ,في النساء36 ,في الأنعام 151 ,في الإسراء 23 ,في العنكبوت 8 ,في لقمان 14 ,وفي الأحقاف 15 , وفي الوصايا السبع, خص الأم بمزيد من الإحسان, وقدمها على الأب, ففي المرات السبع جاء بلفظ الوالدين أي الأب والأم, ولفظ الوالدين فيه تغليب للأم لأنها هي التي تلد, الأب لا يلد, فسُمي الاب والداً مجازاً.
وروى الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال أمك, قال ثم من, قال أمك, قال ثم من, قال أمك, قال ثم من, قال أبوك, في هذا الحديث يخص النبي صلى الله عليه وسلم الأم , ويميّزها عن الأب, ويجعل لها نصيبا أوفر من نصيب الأب من الإحسان, قال المفسرون: مقتضى الحديث أن يكون للام ثلاثة أمثال ما للأب من الإحسان, وذلك لحالات ثلاث تنفرد بها الأم, وهي الحمل والوضع والرضاع, وجاءت الاشاره إلى ذلك في قوله تعالى: ووصينا الإنسان بوالديه, حملته أمه وهناً على وهن, وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير, وفي موضع آخر يقول تعالى: ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا, حملته أمه كُرها ووضعته كُرها, وحمله وفصاله ثلاثون شهرا, الكُره بالضم المشقة, مشقة الحمل ومشقة الوضع.
وصى الله تعالى الإنسان بوالديه, لأنهما سبب وجوده في الدنيا, وأصحاب الفضل ببقائه فيها, وللأم القسط الأوفر في سبب الوجود والبقاء, هي التي حملت وتحمّلت مشاق الحمل طيلة شهور الحمل, وهي التي تحمّلت مشاق الطلق والوضع وآلامه, وفي كثير من حالات تعسّر الولادة, لزم إجراء جراحه للأم لإخراج المولود سليما معافى, وفي حالات ليست قليله كان تعسُّرالولاده سببا في موت الأم ونجاة المولود, لذلك كان جواب النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي كان حاملاً أمه يطوف بها حول الكعبة, هل أديت حقها؟ قال لا, ولا بزفرة واحده, أي من زفرات الطلق والوضع ونحوها, وبعد مشقة الوضع وآلامه, عندما تقع عينا الأم على مولودها, ويوضع على صدرها في غرفة الولادة وهي ممزقه تنزف وتتألم, في تلك اللحظة تعلو وجهها ابتسامة تعبّر عن الرضا والفرحة والسعادة والشكر لله الوهاب, تلك اللحظة تنسيها شهور الحمل ومشقته, والطلق والوضع وآلامه, وتأتي بعد ذلك مباشرة مرحلة الرضاع, والعناية والرعاية والسهر, فكما كان المولود يمتص غذاءه من دم الأم منذ بدء تكوينه في رحم أمه, ففي الرضاع بعد الولادة يمتص من أمه لبناً فيه عصارة لحمها وعظمها, وفيه عصارة قلبها من الرأفة والحب والحنان, يتبع ذلك مشقة العناية والرعاية والتربية في مرحلة الطفولة, مرورا بمرحلة المراهقة والشباب, والأم بذلك فرحة سعيدة لا تمل ولا تضجر, ولا تتطلّع إلى جزاء, غاية ما تتطلّع إليه أن ترى ولدها سليما معافى ينمو ويكبر أمام عينيها, أيها الابن ألعاق, يا من شغلتك الدنيا, الزوجة والولد والمستقبل والوظيفة وجمعُ المال, عن أغلى الناس وأحب الناس واعز الناس, أمك, اعلم انه ما من احد ارحم بك بعد الله من أمكلا احد يحبك بصدق وإخلاص مثل أمكلا احد يؤثرك على نفسه إلا أمُك.
أمك تفرح لفرحك وتحزن لحزنك تتألم لألمك وتسعد لسعادتك, تتعب لترتاح أنت, وتسهر لتنام أنت, وتجوع لتشبع أنت, لا حدود لعطائها, ولا حدود لتضحيتها, ولا حدود لصبرها, تحتمل الجفوة وخشونة القول, وسرعان ما تعفو وتصفح, مهما تغيرت أنت فهي لا تتغير, ومهما قسوت أنت فهي لا تقسو, لأنها صاحبة اكبر قلب, قلب يفيض بالحب والتسامح والرحمة, إنها أمك صاحبة اكبر فضل عليك بعد الله عز وجل, أنت مدينٌ لأمك بحياتك بعمرك كله, أنت مدينٌ لها بكل ما تتمتع به من صحة وعافيه, أنت مدين لها بنجاحك في الحياة, وصدق من قال وراء كل رجل عظيم امرأة, هي أمه, لو وقَْفْتَ عمرك كله عليها, لا تملك ولن تستطيع أن تعوضها بعض ما بذلته لك, ومن أجلك, لذلك جاء في قوله تعالى: وقل ربِ ارحمهما كما ربياني صغيرا, الله تعالى يوجه الأبناء أن يتوجهوا إليه بالدعاء لوالديهم, لان رحمة الله أوسع من رحمة الأولاد, ورعاية الله اشمل من رعايتهم, وجناب الله أرحب, وهو سبحانه اقدر من الأبناء على جزائهما بما قدما وبذلا من عطاءات وتضحيات, وبخاصة الأم.
ربِ اغفر لي ولوالدي ربِ ارحمهما كما ربياني صغيرا. سعيد سطل أبو سليمان 18/3/2011
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]