ليس من العيّب أن يُراجع كلٌ منا أسلوبه وتفكيره، ولكن من الخطأ أن يتنعّت الواحد منا بأسلوبه الواحد في التعاطي مع القضايا المصيرية العديدة، وأن يُمنى بإخفاقات دون أن يراجع حساباته في التعاطي مع هذه القضايا.
فالكثير من الجماعات والأحزاب أخذت على عاتقها إجراء عدد من المراجعات الشاملة والعميقة أملتها طبيعة المرحلة والحاجة للتجديد، مستفيدة بذلك من التجارب السابقة، وحتى لا يُفهم من كلامنا الانبطاح الى إملاءات المؤسسة الاسرائيلية وتوابعها، ندعو للحفاظ على ثوابتنا والدفاع عنها، فثوابتنا هي الحفاظ على هويتنا وتراثنا وديننا ومقدساتنا التي لا مجال للتراجع عنها أو التراخي في التعاطي معها. فلا افراط ولا تفريط.
لكننا ندعو إلى مراجعة كافة خطواتنا في ظل مرحلةٍ جديدةٍ تعيشها المدينة، تماماً كملف لجنة الأمناء الذي كان التعاطي معه مُحرّماً بل ويرتقي للخيانة العظمى حتى عام 2013.
ولو رجعنا الى الوراء قليلاً، وتناولنا صراعات المدينة لرأينا الحراك الجماهيري قد حقق مكاسب سياسية على أرض الواقع من خلال تضحيات الجماهير اليافية، لكن هذه المكاسب كانت محدودة ولم تفِ بالمطلوب ولم تُحقق للجماهير اليافية ولو مطلبا واحدا. فالمرونة في مثل هذه الحالة مطلوبة في إطار الإصلاح السياسي والإداري الذي ينبغي أن يحدث الآن، وبالطبع عدم الخضوع لما يبدو أنه مسلمات. والمرونة المطلوبة هي التي تكون في اطار المراوغة السياسية العقلانية المرنة التي تُحدث التغيير المنشود، ولا تهدف لتبييض صفحة الخصم السوداء.
إن حُسّن إدارة المدينة في تعاطيها مع لجنة الأمناء المعيّنة سيُحقق لنا الكثير من الخير الذي سنراه قريباً، ونتطلع الى تحقيق مكاسب كبيرة جداً لاحقاً، وإن المكاسب التي حققتها المدينة في ملف الصيادين في الميناء والمرونة التي تعاطت بها القيادة المحلية مع هذا الملف يؤكد أن هنالك أملاً في إحداث التغيير ويحقق للمواطنين حقوقهم شريطة استيعاب الدرس.
وبنفس هذه المرونة، فإن القيادة اليافية مُطالبة بإعادة تفكيرها في تعاطيها مع كافة ملفات المدينة، لا سيما بعد الاخفاق الكبير في ملف مقبرة الاسعاف، وملف التربية والتعليم، وملف العنف والسكن، والمستوطنين.
إن حشّد الشارع وتهيئته والرفع من وعيه أمرٌ مطلوب، ولكن الأهم من ذلك التفكير المبدع الذي ينطلق من رفض الكثير من الأساليب النمطية التقليدية في التعاطي مع القضايا المصيرية، والبحث عن طرق جديدة مبتكرة تكون كما يقول المصطلح العام (التفكير خارج الصندوق)، فايجاد تحالفات جديدة وتعزيز اللُحمة الاجتماعية وتحقيق الوحدة الجماهيرية، وتعزيز مكانة القوى السياسية المستقلّة مطلوب لتتولد بعد ذلك قوى جديدة تُحقق لهذه المدينة ما لم تُحققه القيادة الحالية.
إننا نُطالب بإعداد خُطط وسيناريوهات بديلة، وإيجاد حلول متعددة حتى لا يقتُل المجتمع قضيته بيده. وإن المرونة والديناميكية في عقلية القيادة في تعاطيها مع ملفات المدينة المصيرية هو أمر حيويّ بل مطلوب، ليخرجها من دائرة الركود المحبط والحل الواحد، ويُخرجها من أسلوبها المتعنّت نحو المطالبة في حقوقها وأن لا يكتفي فقط بأسلوبه الواحد وهو الاحتجاج فقط، فالتعنّت ما حقق لنا حقاً ولا رفع عنا ظُلماً، وما قضية (معرشات طاسو، ومقبرة الاسعاف، ومقبرة القشلة، ومقبرة المماليك، ومقبرة العجمي، ومقبرة الكازاخانة، واغلاق مدرستي الزهراء ومرساة يافا، وملف المستوطنين الذين أخذوا بالتوسّع وثبتوا أقدامهم)، وكل حالة الغليان التي ثار خلالها الشارع اليافي عن بكرة أبيه وأُعلنت حالة الطوارئ وشُلّت الحياة التعليمية والاقتصادية والتجارية في المدينة، ودفعت المدينة فاتورة باهظة عبر تضحيات جميعها لم تُحدث أي تغيير على أرض الواقع، وسرعان ما تلاشى الحشد نتيجة سوء ادارة القيادة اليافية لهذه الصراعات، التي كانت دون أُفقٍ واضح وسيطر عليها التعنّت الصلب وعدم المرونة في التعاطي معها.
ان الحالة اليافية الراهنة تتطلب الكثير من المسؤولية لنرتقي من أسلوب الاحتجاج من أجل الاحتجاج، الى أسلوب آخر من خلاله نحتج ونطالب بحقوقنا في اطار العقلانية المرنة التي تدعو الى تحقيق المكاسب في كل جولة وتجاوز كافة المحن بأقل الخسائر الممكنة، والحفاظ على المكتسبات التي جناها الشارع اليافي هي أمانة يُحذر اهدارها، والا فإن الجماهير اليافية على موعدٍ مع سبعة أعوامٍ عجاف.
يتبع ..
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]