لا يُجادل مُنصفان أن حالة التوتر التي تعيشها المدينة هي نتاج أزمة سكنية تُهدد الوجود العربي في يافا، وسرطان استيطاني يستأصل وجود المواطنين الفلسطنييين في المدينة، وليست نتيجة اعتداء على رجل ديني محسوب على التيار الاستيطاني، حيث أراد الاعلام الاسرائيلي جعل الاعتداء على أنه حادث مدبّر على خلفية عنصرية، الا أن المشكلة في الأساس هي مشكلة مشروع استيطاني مهّد انشاء العديد من المؤسسات منذ عام 2008، منها المؤسسات التوراتية كالمدرسة الدينية "شيرات موشيه"، وجمعية "يضيؤون يافا" ومدارس تمهيدية عسكرية، ومدرسة تلمودية وغيرها الكثير من المؤسسات والشركات الاستيطانية.
فالأحداث الأخيرة التي وقعت في يافا ستُعيد تعريف قوانين اللعبة من جديد، وتُرسّخ الخطر الأكبر على المدينة وطابعها كمدينة مفتوحة متعددة الثقافات. هذا الخطر على الوجود العربي الفلسطيني في المدينة نتيجة سياسات الحكومة الاسرائيلية عبر شركات الاسكان (عميدار وحلاميش)، ومخاطر التحالف بين هؤلاء المستوطنين الذين جاؤوا من كريات أربع والخليل مع الشرطة الاسرائيلي والاذرع الحكومية المختلفة، هذا التحالف يعيدنا بالذاكرة الى التحالف الذي قاده المستوطنون في الخليل وقد رسخوا مكانتهم كمستوطنين يديرون صراعاً بالنيابة عن الحكومة الاسرائيلية، وبالتالي تجنيد الدولة وكل مؤسساتها لدعمهم ومساندتهم.
والأخطر من ذلك هو محاولة المستوطنين واستغلالهم لحادث الاعتداء على الراب "مالي" بالترويج على أن العرب ارهابيون ولا يمكن العيش معهم، وبالتالي تحويل الصراع المدني والسياسي الذي يقوده أهالي يافا على مدار عشرات السنين الى معركة أمنية تماماً كما نجح المستوطنون في خلق هذه الحالة في مناطق الضفة الغربية.
إن حالة الغليان في الشارع اليافي ستنعكس على طبيعة المدينة كمدينة عربية فلسطينية ومتعددة الثقافات، تواجه زحفاً استيطانيا وغزواً فكرياً سيُؤثر على الوجود العربي واليهودي على حدٍ سواء، من شأنه أن يُوقف نمو المدينة الطبيعي، وبالتالي سيحوّل المستوطنون قضية الاعتداء على الراب "مالي" الى قضية اقليمية وعالمية.
إن التطور الاقتصادي والمعماري يقابله تطور استيطاني حضري يجعل القضية غايةً في التعقيد، ويؤثر على الشعور بالانتماء، وسيعقّد من طبيعة المعيشة واستمرار الحياة الطبيعي، وسيرافقها بالطبع صراعات من نوع آخر كاسكات صوت الآذان، وتنظيم مسيرات دينية واغلاق طرق أمام حركة السير أيام السبت، علاوة على ذلك التحالفات بين البلدية والمستوطنين والتحالفات بين المستوطنين والشرطة، ونشر الخطاب الاقصائي الذي يدعو لملاحقة العرب وطردهم من هذه المدينة.
وأمام هذه الحالة المقيتة من التعقيدات، ستشهد المدينة مزيداً من تعقيد الأزمات لاحقاً، وذلك في ظل الشراكة الخفية لكافة مؤسسات الدولة خدمةً للمستوطنين على حساب الوجود العربي في يافا، كل هذا يحدث فيما ما زالت القيادة اليافية غائبة، نائمة، منشغلة في نفسها، وفيما لا ينفع المجتمع تاركةً أهالي المدينة يصارعون وجودهم لوحدهم، وقد أضاعوا البوصلة، وانشغلوا في شكليات الأمور وأشكالها، دون وضع خططٍ ودراسات عميقة لمواجهة هذا الشبح.
فمدينة يافا وفي هذه الأوقات أمامها تحديات كبيرة لا تقبل تفككاً اجتماعياً ولا شرذمةً فكرية، بل تستدعي المزيد من الوحدة واللُحمة لمواجهة هذا الغول الاستيطاني الذي لا يشبع، فإن هذه الحادثة سيستغلها المستوطنون لرفع أرصدتهم عالمياً ولجلب الداعمين والمستثمرين لفرض مزيد من السيطرة على هذه المدينة والاستحواذ على عقاراتها مستغلين بذلك ضعف سكانها في مواجهتهم وشرذمة قيادتها المترّهلة.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]