الأسرة البشرية كلها ترجع إلى أسرة واحدة مكونة من زوجين من ذكر وأنثى , كما اخبر القرآن الكريم بقوله تعالى : يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى , وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا , الذكر وحده لا ينشىء أسره , والمرأة وحدها لا تنشئ أسره , فالمرأة صنو الرجل, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : النساء شقائق الرجال , ومعنى شقائق الرجال أن ليس للرجل أي امتياز على المرأة , فكلاهما مخلوق من نفس واحده , لذلك هم متساوون بالحقوق والواجبات , كما قال تعالى : ولهُنّ مثلُ الذي عليهن بالمعروف , المرأة تتزين لزوجها , فلها عليه مثل ذلك أن يتزين لها, قال عبد الله بن عباس : إني أحب أن أتزين لامرأتي , كما أحب أن تتزين هي لي , ووجدت ذلك في كتاب الله ولهُنّ مثل الذي عليهن بالمعروف , فالامتياز والتفضيل إنما هو بالتقوى والعمل الصالح , كما بين ذلك القرآن بقوله تعالى : إن أكرمكم عند الله اتقاكم , فالذكر والأنثى متساوون في العبادات متساوون في العمل متساوون في الأجر والثواب , يقول تعالى :فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض , كلمة بعضكم من بعض هذه تزيل أي لبس في مساواة المرأة بالرجل , وتأكيد ذلك في قوله تعالى :من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحييّنه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون , النصوص واضحة صريحة , انظروا إلى قوله تعالى : إن المسلمين والمسلمات , والمؤمنين والمؤمنات , والقانتين والقانتات , والصادقين والصادقات , والصابرين والصابرات , والخاشعين والخاشعات , والمتصدقين والمتصدقات , والصائمين والصائمات , والحافظين فروجهم والحافظات , والذاكرين الله كثيراً والذاكرات , اعد الله لهم مغفرةً وأجرا عظيما.
لم يخص الرجال دون النساء بأي من الأعمال , أروني مساواة أعدل من هذه المساواة , أروني مساواة أرقى من هذه المساواة , كون المسلمين فهموا النصوص فهماً خاطئاً , أو تجاهلوا النصوص
فالعيب فيهم وليس في الإسلام , يقول عمر بن الخطاب :والله إنا كنا في الجاهلية ما نعدُ للنساء أمرا حتى انزل الله فيهن ما انزل وقسم لهن ما قسم , إذاً جاء الإسلام كما رأيتم ليرد للمرأة كرامتها واعتبارها , وليرفعها من السفح الهابط إلى القمة السامقة , ولقد ظهر اثرُ ذلك في صدر الإسلام , ففي صدر الإسلام كان للمرأة دورا رائداً في مختلف مجالات الحياة , ففي الدخول إلى الدين الجديد كانت اسبق الناس خديجة بنت خويلد , والثانية كانت أم الفضل زوجة العباس عم النبي دخلت الإسلام قبل زوجها , والثالثة كانت أم هانئ بنت أبي طالب , وأول شهيد في الإسلام كانت سميه أم عمار بن ياسر , والذي دعا عمر بن الخطاب إلى الإسلام كانت أخته فاطمة , وهذه أم حبيبه بنت أبي سفيان دخلت الإسلام وأبوها يقود ألمعارضه ضد النبي صلى الله عليه وسلم , وأم كلثوم بنت عقبه بن أبي معيط ألد أعداء النبي دخلت الإسلام وهاجرت إلى المدينة وعمرها 21 سنه , وفي العلوم كانت السيدة عائشة مرجعاً لكبار الصحابة , وفي الجهاد كانت أم سُليم تدافع عن رسول الله في معركة احد , يقول النبي صلى الله عليه وسلم ما التفت يُمنة ولا يُسرة إلا رأيت أم سُليم تذود عني بالسيف , والنساء شاركن في تضميد الجرحى في المعارك , وأم عماره في حرب الردة قُطعت يدُها وهي تجاهد.
أعمال بطوليه كان للمرأة في صدر الإسلام , كانت تشارك المرأة في العلم والتعلم , وفي الجهاد وفي التجارة , وكانت تقدم المشورة لزوجها ,هذه أم هانئ ليلة الإسراء لما اخبرها النبي انه اسري به إلى بيت المقدس , قالت له لا تخبر القوم , قال لماذا قالت أخشى أن يكذبوك , ووقع ما خشيته أم هانئ , وفي صلح الحديبية أشارت أم سلمه على النبي أن يبدأ بالنحر والحلق , ففعل فأقبل الصحابة على النحر والحلق بعد ما تباطؤا لعدم رضاهم عن بعض بنود اتفاقية صلح الحديبية , وهذا عمر رضي الله عنه أراد أن يضع حداً لغلاء المهور فصعد المنبر وخطب الناس قائلا : أيها الناس لا تغالوا في مهور النساء , فإنها لو كانت مكرُمة في الدنيا , أو تقوى عند الله , لكان أولاكم بها رسول الله , انه ما أصدق امرأة من نسائه ولا أحدا من بناته فوق اثني عشرة أوقيه , فقامت امرأةٌ وقالت : يا عمر يُعطينا اللهُ وتحرمنا , ألا يقول الله وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئاً , فقال رضي الله عنه أصابت امرأةٌ وأخطأ عمر وهو يومئذ خليفة المسلمين.
فكما رأيتم كان للمرأة شأنٌ عظيم في صدر الإسلام , كانت تشارك في جميع مجالات الحياة , وكان لها دوراً بارزاً في تنشئة الأجيال وتربية الأولاد , وبلغ من منزلة المرأة أن انزل الله في كثير منهن قرآنا يتلى إلى يوم القيامة , مثل عائشة وحفصة وخوله بنت ثعلبه وأم كلثوم بنت عقبه بن أبي معيط , رضي الله عنهن جميعا.
في الجزء الثالث بمشيئة الله نتحدث عن المرأة في العصر الحاضر
سعيد سطل أبو سليمان
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]