كثيرا ما أفكر ،أتساءل وأتخبط عن الأسباب التي تدفع أولياء أمور أطفالنا العرب يُعلمون أولادهم بأطر تعليمية (روضات ومدارس) غير عربية أي أطر يهودية . هل هي الموارد ؟؟!! هل هي اللغة ؟؟!! هل هي التربية ؟؟!! هل هي الثقة ؟؟!! هل هو المستقبل الأفضل ؟؟!!
وأرى أن الواجب الوطني ،الاجتماعي والأنساني يحتّم عليّ كتابة هذا المقال من منطلق المحبة والقلق على مجتمعنا العربي عامة واليافي خاصة .. واخترت هذه الفترة الزمنية بالذات – فترة تسجيل الأطفال للروضات/مدارس – علّه يؤثر حتى ولو على نسبة ضئيلة من الناس الذين يفكرون بتسجيل أولادهم بأطر غير عربية ..
كما تعلمون الأهل الكرام ،أن تربية الطفل ليست بالمهمة السهلة علينا كأولياء أمور وأنها تحتاج إلى طاقة جبّارة وعزيمة قوية لينمو الطفل ببيئة سليمة داعمة .. وأن نشأة الطفل ليست بالمهمة السهلة عليه هو نفسه ..
ولا يختلف إثنان أن أولياء الأمور جميعهم يريدون الأفضل لأولادهم وأن مصلحة أولادهم أهم من كل المصالح وفوقها.. لكني أرى أن تسجيل البعض لأولادهم بأطر غير عربية كظاهرة خطيرة جدا تجعل أولياء الأمور يقومون ، دون قصد ، بعكس مرادهم تماما .. وإليكم بعض النقاط :-
-إذا كان الدافع ،إعتقاد أولياء الأمور بأن الموارد في الأطر اليهودية أكثر منها في الأطر العربية ( كحصص التقوية ،العلاجات بأنواعها ،عدد الساعات ) فإني أطمئنهم أنه بالأطر العربية موارد كثيرة ووفيرة .. وحتى لو فاقت الموارد بالأطر اليهودية تبقى الأيجابيات لمصلحة الطفل أكثر في أطرنا العربية .
- وإذا كان الدافع ،إيمان أولياء الأمور بأن كل ما هو غير عربي أفضل من العربي .. فهو مخطئ تماما .
- وإذا كان الدافع ،إعتقاد أولياء الأمور أن تعلم أولادهم بإطار غير عربي يضمن لأولادهم النجاح أكثر بحياتهم العملية والعلمية مستقبلا ، فإنه مخطئ تماما أيضا .. وليقيّم النتائج حتى اليوم بنفسه ،يستعرضها ويتساءل ... ما هي نسبة الطلاب الجامعيين الذين تعلموا بالأطر العربية مقارنة بالطلاب الجامعيين الذين تعلموا بأطر غير عربية ؟؟!! ما هي درجة الانتماء للمجتمع عند الطلاب الذين تعلموا بأطر عربية مقارنة بالطلاب الذين تعلموا بأطر غير عربية ؟؟!! وما هي درجة العطاء لبلدنا ؟؟!! وما هي درجة الالتزام بهموم مجتمعنا العربي عامة واليافي خاصة ؟؟!!
- أما إذا كان الدافع ، اللغة العبرية واعتبارها اللغة الرسمية الأولى والمعترف بها في البلاد .. أُذكّر أن الطفل العربي لغته الأم هي العربية وليست العبرية ، وقد أثبتت الأبحاث أنه بحالة اكتساب الطفل للغته الأم وإتقانها يسهّل عليه اكتساب لغات أخرى .. ومن هذا المنطلق يتعلم أطفالنا العرب في منطقة المثلث وفي الضفة الغربية وغزة والدول العربية فقط اللغة العربية – لغة الأم حتى جيل 9 سنوات أي حتى الصف الثاني ، ومن الصف الثالث يبدأ تعلم لغات أخرى .. وعن اللغة العبرية فهو حتما سيتعلمها ويتقنها لاحقا !! وليس وليد الصدفة أن يتعلم الطفل اليهودي فقط اللغة العبرية – لغته الأم حتى جيل 9 سنوات ومن ثم يبدأ بتعلم اللغة الانجليزية (قِس على ذلك الطفل الانجليزي و.. و..) .فلماذا نُثقِل على أولادنا ونجعلهم يتعلمون لغة أخرى ويتخلون عن لغتهم الأم ،والنتيجة تكون واضحة أنهم يكتسبون اللغة العبرية ويتقنوها ولكنهم لن يستطيعوا اكتساب اللغة العربية – لغتهم الأم بقوة وطلاقة – لا كتابة ولا قراءة ولا حتى محادثة !! وليكن واضحا ، انني شخصيا أدعم تعلم اللغات جميعها فهذه ضرورة حياتية ملحّة ، لكن قبل كل شيء تعلم واكتساب لغة الأم .
- لا شك أنه حين دمْجنا لولدنا بأطر غير عربية أي يهودية نبعده عن الدين ، فيتعلم الطفل الدين اليهودي ويتقن قوانينه وتعاليمه وطقوسه ويبتعد كعربي عن دينه ،الأسلامي أو المسيحي ،فلا يستطيع الطفل قراءة سورة من القرآن أو مقطع من الأنجيل .. ومرة أخرى أنوّه أني أرى بالتعلم عن الأديان جميعها ثقافة للأنسان ،تزيده وعيا ومعرفة .. فالله قد أنزل الأديان ، لكن ليس على حساب تعلم تعاليم وقوانين وأسس دينه ،كمسلم أو كمسيحي .
- بالأضافة ،عند تسجيل طفلنا العربي بإطار غير عربي فإننا نجعله يتخبّط يوميا ويواجه صعابا وتحدّيات اجتماعية فظيعة وهو لا تنقصه الصعاب والتحدّيات والتخبّطات الطبيعية التي يواجهها كل طفل في المراحل العمرية المختلفة ،تخبّطات في التربية ما بين ما يعيشه يوميا في البيت والشارع وما بين ما يعيشه يوميا في المدرسة !! ممّا لا شك فيه أن تربيتنا وما تحمل من قيم كالاحترام والمحافظة ،وثقافتنا ورؤيتنا للأمور كعرب تختلف عن التربية في المجتمعات الأخرى ،فينشأ الطفل في بيته العربي على قيم وثقافة معينة وفي المدرسة غير العربية يواجه قيما وثقافة تختلف عنه كليا .. فيبدأ الصراع مع نفسه أولا ومن ثم مع والديه وإخوته وتكبر الدائرة حتى يصل الصراع مع مجتمعه !! وهذه النتيجة طبيعية فلماذا نضع أولادنا بهذه الدائرة من الصراعات ؟؟!!
- زِد على ذلك التربية السياسية المختلفة ما بيننا كعرب وبين اليهود ، وبرأيي هذه أخطر الحالات ،فكل طرف يؤمن أن هذه الأرض له ،وأن هذه الدولة من حقه ،وعلى هذا الأيمان يقوم الجدال والصراع العربي اليهودي !! ما يقوم به أولياء الأمور الذين يدمجون أولادهم بأطر يهودية ، وربما دون قصد ،فإنهم يمحون هوية أولادهم السياسية ويضعونهم بمواقف صعبة وحرجة للغاية ،فيضطر هذا الطفل للتحدّث بلغة غير لغته الأم !! ويضطر سماع ألفاظ وآراء ضده كعربي وهو مكبل اليديْن !! ويضطر أن يتعلم عن حضارة ،عادات وتاريخ الشعب اليهودي من منظارهم وبهذا يمحو تاريخه العربي والفلسطيني العريق !! ويضطر المشاركة بالمدرسة بطقوس وذكريات سياسية غير عربية تتعارض كليا مع إيماننا العربي وتتناقض مع كياننا الفلسطيني !! فيُجبر كعربي على الاحتفال بذكرى استقلالهم بينما يحزن شعبه الفلسطيني بنكبته !! وتراه كعربي يضطر أن يحزن ويتأثر بذكرى ما يسمّونه سقوط "شهداء جيش الدفاع الأسرائيلي" بينما لا يستطيع أن يتأثر أو يتماهى عند سقوط شهداء من شعبه أو حدوث مجازر بشعبنا الفلسطيني !! فلتعذروني ، بهذه الحالة أنا لا ألوم الأطر اليهودية فهي معترف بها كإطار غير عربي يضع القوانين والرؤيا التي تروق له ،وإنما عتبي الأكبر بمحبة على أولياء الأمور الذين كان بيديهم حق الاختيار ما بين إطار عربي وما بين إطار غير عربي ،ما بين راحة البال وهدوء النفس وما بين العيش بتخبّطات وتحدّيات تعطّل كثيرا على راحة البال وهدوء النفس , ما بين إطار يشبهني ويتقبلني وما بين إطار لا يشبهني وبالتالي لا يتقبلني ..ومع هذا اختاروا الأطار غير العربي لأولادهم !!
من هنا ، أتوجه لكل ولي أمر راجية منه ، متوسلة إليه أن يعيد النظر باختياراته وقراراته .. وليفكر بعمق بأخطار هذه الظاهرة الفظيعة .. وليكرّس وقتا أطول للتخبّط مع نفسه ومع غيره للتوصل إلى هدفه وهو مصلحة أولاده .. وليسأل نفسه :-
- هل يريد طفلا/شابا قوي الشخصية واثقا بنفسه وبأعماله ؟؟
- هل يريد طفلا/شابا يعبّر عن نفسه بحرية ؟؟
- هل يريد طفلا/شابا مؤمنا بأن لغته العربية أجمل وأغنى لغات العالم ؟؟
- هل يريد طفلا/شابا واضح الهوية ؟؟
- هل يريد طفلا/شابا مُحبّا وفخورا بلغته ، بمجتمعه وبهويته العربية الفلسطينية ؟؟
- هل يريد طفلا/شابا ناجحا ؟؟
- هل يريد طفلا/شابا بصحة نفسية مدعومة قوية وايجابية ؟؟
- هل يريد طفلا/شابا مقبولا ومحبوبا بمجتمعه ؟ (وليس غير مقبول بمجتمعه ولا بغيره ) !!
- هل يريد الوصول إلى حد يلومه ابنه مستقبلا سرّا أو علانية على اختياراته له ؟؟
أما أنا فقد اخترت الأفضل لأولادي ، كما اختار والديّ الأفضل لي في الماضي ، وبما أنني أؤمن أني سأحاسب أمام الله ،المجتمع ،نفسي وأمامهم عمّا اخترت لهم ، لم أتردّد ولم يكن وارد بالحسبان أن يتعلم أولادي بإطار غير عربي إيمانا مني أني أطالب بمجتمع واثق بنفسه ، بدينه وبهويته وبعروبته .. فهل من مؤيّد ؟؟؟!!!
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]