هموم مسرحية – الراحل الباقي "غسان كنفاني" بقلم: أديب جهشان
يافا 48
2022-07-21 17:42:00
" الى من استشهد في سبيل ارض البرتقال الحزين ....والى من لم يستشهد بعد...."
الإهداء - غسان كنفاني في كتابه ارض البرتقال الحزين
غسان كنفاني شعلة الادب الفلسطيني بتصويره للحالة والحكاية والانسان الفلسطيني باسلوبه المتميز جعل العدو يعيش بقلق من وجوده وأدبه الانساني والابداعي الذي كان اقوى من البنادق والرصاص لكن رصاص العدو استطاع ان يغتال جسده ولم يستطع اغتيال ارثه الادبي العظيم.
ولد غسان كنفاني عام 1936 في مدينة عكا شمال فلسطين على ساحل البحر الابيض المتوسط .وترعرع ونشط في حيفا ويافا حتى عام 1948 اذ نزح مجبرا مع عائلته الى دمشق في سوريا وبعدها انتقل الى دول اخرى . عمل غسان كنفاني في مجال التربية والصحافة , من بين اعماله تأسيس صحيفة الهدف الاسبوعية اضافة لصحيفة المحرر وملحق الانوار. في العام 1972 اغتالت المخابرات الاسرائيلية غسان كنفاني وابنة اخته لميس أمام بيته في بيروت .
ترك غسان كنفاني ارثا ادبيا لم يستطع العدو اغتياله ومحوه وبقي معنا في حياتنا وهوائنا وأنفاسنا .هذا الموروث الادبي يضم اكثر من خمس عشرة رواية كتبها غسان كنفاني بدرجة عالية من الوعي الأدبي الواقعي باسلوب من البساطة والوضوح والانسانية ليضع القارئ امام آفاق جديدة من عالم الادب لم نكن نعرفه من قبل فلا عجب ان ترجمت رواياته الى سبع عشرة لغة عرضت الكثير منها على المسرح وعلى الشاشة الكبيرة والصغيرة .كل ذلك اضافة للكثير من المقالات والرسومات التي تصور الحالة الفلسطينية . من أعماله الخالدة : رجال في الشمس, عائد الى حيفا , ما تبقى لكم , ام سعد , برقوق نيسان , العاشق , عالم ليس لنا , ارض البرتقال الحزين ... وروايات اخرى .
غسان كنفاني كان عاشقا وملتزما للقضية الفلسطينية ووصف الانسان الفلسطيني انه " قضية " بمعنى انه وطن بكل ما تحمل الكلمة من معاني, فأصبحت القصة حقيقة والحقيقة قصة بالقدر الذي اراده وكتاباته اصبحت مواجهة للواقع مما ترك اثرا في نفوس الانسان الفلسطيني والعربي لم ولن يمحى مهما طال الزمان .
قالوا عن غسان كنفاني " لو بقي على قيد الحياة كان من الممكن ان يؤدي الى تطوير قصة عربية مختلفة. لانه كان يحلم برؤية شخصية وجماعية لتأثيرها على المثقف والانسان العربي باعتباره اديبا ملتزما في الواقع الحضاري والواقع الفني, الاجتماعي والسياسي. وقد نشعر بذلك في " رجال في الشمس " و " عائد الى حيفا " هذه الاعمال هي نافذة كبيرة لاسلوب غسان كنفاني لطرحه الحكاية الفلسطينية بشكل مؤثر وواقعي "
يعتبر غسان كنفاني احد اعمدة الادب الفلسطيني والعربي وحتى الادب العالمي. لذلك علينا نحن العاملين والناشطين في مجال الفنون العمل على انتاج اعمال غسان كنفاني الادبية الرائعة وعرضها على خشبة المسارح وشاشات التلفزيون والسينما لكي يتعرف عليه الجميع وخاصة الاجيال الشابة وعلينا متابعة العمل على تحريك الفرق الفنية لاختيار اعمال غسان كنفاني الخالدة فهذا واجب حضاري ووطني يقع على مسؤوليتنا كما جاء في الندوة المرئية عبر تطبيق زوم تحت عنوان " الارث الثقافي والسياسي لغسان كنفاني بعد خمسة عقود على اغتياله" التي نظمها الدكتور مُكَرَم خوري مخول ابن يافا المقيم في بريطانيا, تحت رعاية "مركز كامبريدج لدراسات فلسطين " بمشاركة مجموعة رائدة من عالم السياسة ,الادب والفن من كل العالم العربي وفلسطين يوم 2022/7/7 وهم : بسام ابو الشريف , رشاد ابو شاور , د. وسام الفقعاوي , سمير درويش ,د. تغريد عبد العال ,د. محمد عبيدالله , ود. سلمى مبارك ومن الداخل الفلسطيني شارك كل من د.علا نبيل عويضة ,د. محمد هيبي وكاتب هذا المقال . وقد عرض بالندوة , بسام ابو الشريف الذي يعتبر صديق حميم لغسان كنفاني في حياته , معلومات هامة ومؤثرة عن حياة هذا الكاتب العظيم, اذ صوّر شخصية متميزة لمحبته للأدب , لشعبه , للوطن وللعائلة , مُثقلة بهموم شعبنا التي جسّدها في رواياته الرائعة مما اثار غضب غولدة مئير التي طلبت القضاء عليه .
في هذا اللقاء عرض كل مشارك رؤيته ومعرفته بغسان كنفاني وتأثيره على حياتنا الثقافية ووجودنا كشعب. استغل هذه المناسبة لقول كلمة حق هامة عن الدكتور مُكَرَم خوري مخول الذي ادار اللقاء وحاور المشاركين بدرجة عالية من المعرفة والذكاء والمهنية ليعبر كل مشارك عن جزء من حياة وادب غسان كنفاني لتصبح الاجزاء صورة كاملة ومتكاملة جمعها الدكتور مكرم مع المشاركين لتصبح الصورة جسر للتواصل والاطلاع على حياة وأدب غسان كنفاني .
في هذا السياق اذكر تجربتي لاخراج مسرحية " عائد الى حيفا" على خشبة المسرح مع فرقة الجوال في سخنين , بلد يوم الارض , منذ اكثر من عشرين عاما حيث حظيت المسرحية بالاهتمام الواسع اذ كانت نقلة هامة في دور المسرح الفلسطيني لنشر الرواية الفلسطينية لابناء شعبنا .
لقد تم الاعتماد عند انتاج المسرحية على دمج التصوير السينمائي بالمسرحية وتمّ تصوير مدينة حيفا اثناء سفر شخصيات المسرحية سعيد وزوجته لزيارة بيتهم في حي الحليصة بحيفا وخاصة خارج البيت الى ان دخلوا بيتهم لتبدأ احداث الرواية على خشبة المسرح .
اضافة لذلك جرى تصوير زيارة الجار بالمسرحية الى بيته في يافا مقابل الكلية الاورثوذكسية بعد النكسة 1967 وكان لقاء مؤثرا غير متوقع اذ ان العائلة العربية التي تسكن البيت حافظت على صورة اخيه المناضل الشهيد على حائط غرفة الصالون بانتطار زيارة اهله .
لقد كان لعروض المسرحية تأثير كبير على الجمهور والكادر الفني فالمسرحية تتطرق الى التهجير والمآسي والمعاناة التي لحقت الفلسطينيين بسبب ذلك والعودة الى الوطن والانسان المسلوبين فكانت المسرحية مؤثرة ومثيرة تعكس تماما حياة غسان كنفاني وأدبه .
على الادباء والفنانين والباحثين والاعلاميين العمل على نشر ادب غسان كنفاني وجميع ادبائنا الخالدين الذين رحلوا من هذا العالم وجسدوا باعمالهم الادبية حياة وقضية شعبنا العصيبة ووضعوها على المنبر العالمي والعربي خاصة . ومنهم: اميل حبيبي , سميح القاسم , شكيب جهشان , عصام العباسي , حنا ابو حنا , توفيق زياد , سلمان ناطور وآخرون . يجب ان نحافظ على تاريخنا تاريخهم, وأدبنا أدبهم ليبقوا معنا خالدين كما نحن باقين .
هذه الكوكبة من الادباء عملت ونجحت في ابداعها بتخليد التاريخ والثقافة الفلسطينية لكي تبقى قضية فلسطين تقرع الجدران العربية والعالمية حتى تقوم الساعة ويعود الحق لاصحابه .
حزيران 2022
اديب جهشان – مؤسس مسرح السرايا العربي – يافا
التعليقات